بريئاً ومن أَجْلِ الطَّويِّ رماني (1)
وقولُ الفرزدق:
إنِّي ضَمِنْتُ لمن أتاني ما جنى
وأَبَى فكان وكنتُ غيرَ غدورِ (2)
ففي البيت الأول كان الوجه: لغريبان، ولكنَّه وضع الواحد موضع الاثنين؛ استغناءً بخبر (قياراً) .
ومثله (بريئاً) في البيت الثاني، (وغدور) في البيت الثالث.
ونقل السيرافي أنَّ الزياديَّ نقد سيبويه، فقال: "فَعيلٌ وفَعُولٌ قد يكونان للجماعة والواحد، والمذكر والمؤنث، ومن ذلك قولهم: رجلٌ صديقٌ، وقومٌ صديقٌ، ورجلٌ خليطٌ، وقومٌ خليطٌ، ورجلٌ عدُّو، وقومٌ عدوٌّ، كما قال تعالى: {إنَّ الكافرين كانوا لكم عدواً مبيناً} (3) ... فيجوز أنْ يكون: غدورٌ، وبريءٌ للاثنين" (4) .
وأضاف الصَّفار أن الاعتراض يشمل بيت البرجمي؛ لأنَّ (لغريب) فيه على (فعيل) (5) .
فالزِّيادي إذن يري أنَّ استعمال (فعيل) و (فعول) لغير الواحد قياسٌ مُطَّردٌ ويجيز أنْ تحمل الأبياتُ على هذا، فلا تكون شاهداً على ما ذكره سيبويه من الاستغناءِ عن الخبر، ووضعِ الواحد موضع الاثنين.
وقد ذهب مذهبَ سيبويه ابنُ السيرافي، وأبو نصر القرطبي، والصفار (6) ، وردَّ الأخيرُ نقد الزِّياديّ محتجاً بأنَّ مجيء (فعيل) و (فَعُول) لغير المفرد مقصورٌ على السماع (7) .
كما أخذ به أبو عبيدة غير أنه لم يقصر جواز وضع الواحد موضع غيره، والاستغناء عن أحد الخبرين على الضرورة (8) .
وأجاز الفراء في السعة الوجهين: ما ذكره سيبويه، وما ذكره الزِّيادي (9) ، واستشهد على الأخير بقوله تعالى: {إنا رسولُ ربِّ العالمين} (10) .
وهذا ظاهر كلام الأخفش أيضاً حيث يقول: "وقوله: {إنا رسول رب العالمين} وهذا يشبه أن يكون مثل (العدوّ) ، وتقول: هما عدوٌّ لي (11) ".
وهذا يتَّفق مع مذهب الزِّيادي.
ويقول في موضع آخر: "وقال: {عن اليمين وعن الشمال قعيد} (12) ، ولم يقل: عن اليمين قعيد، وعن الشمال قعيد، ذكر أحدهما واستغنى، كما قال: {يخرجكم طفلاً} (13) " (14) .