ثم ذكر في أول باب الابتداء بعض دواعي هذا الترتيب، فقال:» كلُّ كلمة يبتدأ بها من اسم وفعل وحرف، فأول حرف تبتدئ به وهو متحرك ثابت في اللفظ، فإن كان قبله كلام لم يحذف ولم يُغيّر إلاّ أن يكون ألف وصل فتحذف ألبتة من اللفظ وذلك إجماع من العرب، أو همزة قبلها ساكن فيحذفها من يحذف الهمزة ويلقي الحركة على الساكن، وسنذكر هذا في تخفيف الهمزة، فأما ما يتغيّر ويسكن من أجل ما قبله فنذكره بعد ذكر ألف الوصل إن شاء الله (1) «.

وواضحٌ تسلسل الأبواب الصرفية عند ابن السراج وفق رؤية واضحة، وارتباطها بمنهج قويّ عنده، وأنه يسير في كتابه وفق ترتيب ارتضاه وقصده؛ ولهذا يقول في المقدمة:» فقد أعلنت في هذا الكتاب أسرار النحو وجمعته جمعًا يحصره، وفصّلته تفصيلاً يظهره، ورتبت أنواعه وصنوفه على مراتبها بأخصر ما يمكن من القول وأبينه، ليسبق إلى القلوب فهمه، ويسهل على متعلميه حفظه (2) «.

أما الظواهر المشتركة بين الأسماء والأفعال عند الصيمريّ فكانت على النحو الذي سبق بيانه، ومن أن الإمالة أول هذه الظواهر، ثم الوقف، فالتقاء الساكنين، ثم الهمز، فالتضعيف. وواضح الفرق في الترتيب بين ابن السراج والصيمريّ، فعلى حين أن ابن السراج جعل الإمالة متأخرة؛ إذ ذكرها بين الأبنية، وسأوضح سبب هذا التأخير، فإنَّ الصيمريّ جعلها أول هذه الظواهر؛ ولعلّه نظر إلى أن هذه الظاهرة بسيطة لا تخلّ ببنية الكلمة، ولا تؤدي إلى حذفٍ أو تغيير كبير، فهي أخف الظواهر، ولعلّ السبب نفسه هو الذي جعل ابن السراج يجعلها متأخرة؛ لأنه بدأ بظواهر التغيير الكبيرة أولاً، وما يحصل فيه حذف جرّاء هذه الظواهر؛ كما أن ابن السراج جعل الإمالة فاصلاً بين أبنية الأفعال والأسماء بعد باب ما يكسر فيه أوائل الأفعال المضارعة (3) ، ففي هذا الباب شبهان بالإمالة؛ الأول: الكسر، والثاني: أنها لغة قومٍ، فلعلّه نظر إلى أحدهما أو كليهما معًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015