ومن الغيب المطلق النبوة والرسالة، ونزول الكتب على الرسل، والقضاء والقدر، واليوم الآخر. أي إن أركان الإيمان الستة كلها داخلة دخولا أوليا في الغيب المطلق، سوى الركن الأول وهو الإيمان بالله تعالى، فإنه غيب الغيوب كما سبق بيانه، ولهذا قال الله تعالى: (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ((1) . والإيمان لا يكون إلا بالغيب سواء كان الغيب من النوع الأول أو من النوع الثاني بأقسامه. فالأمور الحسية لا يطلب من الإنسان أن يؤمن بها، لأنه يحس بها ويشاهدها فلا يسعه إنكارها. ثم إن الله تعالى اختبر عباده حيث أمرهم بالإيمان بالغيب الذي لا يعلمون به إلا عن طريق إخبار الله تعالى بها لا عن طريق المشاهدة. ولهذا لا ينفع الإيمان حينما ينكشف الغطاء عند حلول الأجل، وبلوغ الروح الحلقوم، وعند طلوع الشمس من مغربها، وعند نزول العذاب الذي توعد الله به أقوام الرسل، لأنه لا يسع أحدا شاهد ذلك إلا التصديق بالمحسوس وذلك ليس من الإيمان في شيء. ولهذا لم يقبل الله تعالى من فرعون إيمانه لنزول الموت به، ومشاهدته حقائق ما كفر به من قبل، قال الله عز وجل: (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فاتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين (آالآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ((2) ، وقال رسول الله (: "إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" (3) .
فإذا قيل إن من أركان الإيمان ما ليس بغيب كالرسل والكتب إذ هم من عالم الشهادة. فكيف تعلق بهم الإيمان مع القول إن الإيمان لا يتعلق بالمحسوسات؟