قال ابن حبان (ت354هـ) رحمه الله: "سمعت أحمد بن إسحاق السني الدينوري يقول: رأى أحمد بن حنبل (ت241هـ) رضي الله عنه يحي بن معين (ت233هـ) في زاوية بصنعاء وهو يكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس، فإذا اطّلع عليه إنسان كتمه، فقال أحمد بن حنبل رحمه الله له: تكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس، وتعلم أنها موضوعة فلو قال لك القائل: أنت تتكلم في أبان، ثم تكتب حديثه على الوجه؟

قال: رحمك الله يا أبا عبد الله أكتب هذه الصحيفة عن عبد الرزاق (ت211هـ) عن معمر عن أبان عن أنس وأحفظها كلها، وأعلم أنها موضوعة حتى لا يجيء إنسان، فيجعل بدل أبان ثابتاً ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس، فأقول له: كذبت إنما هي أبان لا ثابت" (1) .

وقد كان عليّ بن المديني (ت234هـ) رحمه الله يتعمد حفظ أحاديث بعض المتهمين حتى لا يأتي أحدهم ويقلبه.

قال أبوغسان (ت219هـ) : جاءني عليّ بن المديني فكتب عني عن عبد السلام بن حرب، أحاديث إسحاق بن أبي فروة فقلت: أي شيء تصنع بها؟ قال: أعرفها لا يقلب! (2) .

قال يحي بن حسان: جاء قوم ومعهم جزء فقالوا: سمعناه من ابن لهيعة! فنظرت فإذا ليس فيه حديث واحد من حديث ابن لهيعة، فجئت إلى ابن لهيعة فقلت: ما هذا الذي حدثت به ليس فيه من حديثك ولا سمعتها قط؟! فقال: ما اصنع؟ يجيئوني بكتاب ويقولون: هذا من حديثك فأحدثهم به! " (3) .

فإن قيل: إذا كان الراوي ثقة فلم لا يجوز أن يكون للحديث إسنادان عند شيخه حدّث بأحدهما مراراً وبالآخر مراراً؟

قلنا: هذا التجويز لا ننكره، ولكن مبنى هذا العلم على غلبة الظن، وللحفاظ طريق معروفة في الرجوع إلى القرائن في مثل هذا، وإنما يقول في ذلك منهم على النقاد المطلعين منهم، ولهذا كان كثير منهم يرجعون عن الغلط إذا نبهوا عليه (4) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015