وقد ينسب من وقع منه ذلك إلى الكذب بمعنى مخالفة الواقع في مرويِّه لا بمعنى أنه وضاع طالما أنه لم يتعمّد، فتنبه!

كما تراه في وصف البيهقي لمن قلب حديثاً وليس في السند من يوصف بأنه وضاع، فقال، بعد أن ذكر رواية صحيحة تبين القلب وتكشف وقوع الخطأ في رواية كان يتكلم عنها، قال: "في هذه الرواية الصحيحة تكذيب من قلب هذا الحديث وأتى فيه بما لم يأت به الثقات من أصحاب قتادة"اهـ (1) .

الشاهد أنه قال: "تكذيب من قلب"؛ قلت: وليس في السند الذي ذكره هناك مَنْ يوصف بأنه يضع الحديث، فأطلق التكذيب ومراده الخطأ، ووجه ذلك أن الكذب يطلق في الأصح على عدم مطابقة الواقع مطلقاً، سواء بعمد أو بغير عمد (2) ، وهذه لغة أهل الحجاز كما نبه على ذلك أهل العلم (3) .

وإن وقع القلب عمداً بقصد الامتحان فقد استنكره حرَمي بن عمارة (ت201هـ) رحمه الله ووجه ذلك والله اعلم لما يترتب عليه من تغليط من يمتحنه فقد يستمر على روايته لظنه أنه صواب وقد يسمعه من لا خبرة له فيرويه ظناً منه أنه صواب (4) .

قال حماد بن زيد: "سألت سلمة بن علقمة عن شيء فرفع ثم نظر إليّ فقال: إن سرّك أن يكذب صاحبك فلقنه، ثم رجع".

وفي رواية: "لقنت سلمة بن علقمة حديثاً فحدثنيه ثم رجع عنه، وقال: إذا سرّك أن تكذب أخاك فلقنه" (5) .

عن مطر الوراق قال: قال أبو الأسود: "إذا سرّك أن تكذب صاحبك فلقنه" (6) .

عن بهز بن أسد العمي (مات بعد المائتين وقيل قبلها) وسأله حرمي بن عمارة (ت201هـ) عن أبان بن أبي عياش؟ فذكر له عن شعبة (ت160هـ) رحمه الله أنه قال: كتبت حديث أنس عن الحسن، وحديث الحسن عن أنس، فدفعتها إلى أبان بن أبي عياش فقرأها عليّ! فقال حرمي: بئس ما صنع، وهذا يحل؟ (7) .

وممن كان يكره القلب على الشيوخ: عبد الله بن إدريس (ت192هـ) رحمه الله، ويحي بن سعيد القطان (ت198هـ) رحمه الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015