فهذا دليل على وجوب اجتناب أهل المعاصي إذا ظهر منهم منكر، وهذا عدم الرضا بالمعصية؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر، كما دل عليه قوله: {إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ} فكل من جلس في معصية ولم ينكرها يكون مع أهلها في وزرهم، فينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية، أو عملوها، فإن لم يستطع الإنكار، فينبغي أن يقوم عنهم حتى لايكون من أهل هذه الآية.
يروى أن عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - أخذ قوماً يشربون الخمر فقيل له عن أحد الحاضرين: إنه صائم، فحمل عليه الأدب (1) ، وقرأ هذه الآية {إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ} (2) أي: إن الرضا بالمعصية معصية، ولهذا يؤاخذ الفاعل والراضي بعقوبة المعاصي حتى يهلكوا بأجمعهم.
ولاشك أن هذه المماثلة ليست في جميع الصفات، لكن إلزام شبه بحكم الظاهر من المقارنة، وقد قال الشاعر:
عن المرء لاتسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي (3)
فتجنب أهل الأهواء والبدع واجب لغير الناصح والمعلم لهم، وليس مثلهم في الأهواء والبدع، لقوله - تعالى -: {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ} (4) .
ليس في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله - (- آية ولا حديث يأمر العباد أن يرضوا بكل مقضي مقدر من أفعال العباد حسنها وسيئها، {فهذا أصل يجب أن يعتنى به} (5) .
فالرضا بالمعاصي محرم يعاقب صاحبه عليه، وهو مخالفة لأمر الله - تعالى - وأمر رسوله - (-.
{وقالت طائفة ترضى من جهة كونها مضافة إلى الله خلقاً، وتسخط من جهة كونها إلى العبد فعلاً، وكسباً، وهذا القول لاينافي الذي قبله} (6) .
فالأصل واحد، وهو إنَّما قدر - سبحانه - الأشياء لحكمة، فهي باعتبار تلك الحكمة محبوبة مرضية، وقد تكون في نفسها مكروهة ومسخوطة (7) .