3 - أمَّا قوله: {إنه لايتخلص من السخط على ربه إلاَّ بالرضى عنه، إذ لا واسطة بين الرضا والسخط} .
فكلام مدخول؛ لأن السخط بالمقضي لايستلزم السخط على من قضاه، كما أن كراهة المقضي وبغضه، والنفرة عنه، لاتستلزم تعلق ذلك بالذي قضاه وقدره، فالمقضي قد يسخطه وهو راض عمن قضاه وقدره، بل قد يجتمع تسخطه والرضا بنفس القضاء (1) ، فالسخط شيء، والشكاية شيء آخر.
4 - قولهم: {إنه يستلزم سوء ظن العبد بربه، ومنازعته له في اختياره} .
فليس كذلك، بل هو حسن الظن بربه في الحالتين، فإنه إنَّما يسخط المقدور وينازعه بمقدور آخر، كما ينازع القدر الذي يكرهه ربه بالقدر الذي يحبه ويرضاه، فينازع قدر الله بقدر الله بالله لله، كما يستعيذ برضاه من سخطه، وبمعافاته من عقوبته، ويستعيذ به منه.
فأمَّا {كونه يختار لنفسه خلاف ما يختاره الرب} فهذا موضع تفصيل لايسحب عليه ذيل النفي والإثبات، فاختيار الرب - تعالى - لعبده نوعان:
أحدهما: اختيار ديني شرعي، فالواجب على العبد أن لايختار في هذا النوع غير ما اختاره له سيده، قال - تعالى -: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (2) ، فاختيار العبد خلاف ذلك مناف لإيمانه وتسليمه، ورضاه بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً.
النوع الثاني: اختيار كوني قدري، لايسخطه الرب، كالمصائب التي يبتلي الله بها عبده، فهذه لايضره فراره منها إلى القدر الذي يرفعها عنه، ويرفعها ويكشفها، وليس في ذلك منازعة للربوبية، وإن كان فيه منازعة للقدر بالقدر، وكما تقدم عن عمر وأبي عبيدة - رضي الله عنهما -.
فهذا يكون تارة واجباً، وتارة يكون مستحباً، وتارة يكون مباحاً مستوي الطرفين، وتارة يكون مكروهاً، وتارة يكون حراماً.