وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: {ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس} (1) ، وغنى النفس إنَّما ينشأ عن الرضا بقضاء الله، والتسليم لأمره، علماً بأن الذي عند الله خير وأبقى، فهو معرض عن الحرص، والطلب.
فالمتصف بغنى النفس يكون قانعاً بما رزقه الله، لايحرص على الازدياد لغير حاجة، ولايلح في الطلب، ولايلحف في السؤال، بل يرضى بما قسم الله له، فكأنه واحد أبداً (2) .
وهذا ما عناه النبي - (- عندما استعاذ من فتنة الغنى، وفتنة الفقر؛ لأنهما حالتان تخشى الفتنة فيهما، بالتسخط، وقلة الصبر، والوقوع في حرام، أو شبهة للحاجة، ويخاف من الأشر، والبطر، والبخل بحقوق المال، أو إنفاقه في إسراف، وفي باطل، أو في مفاخر ...
قال الخطابي: {إنَّما استعاذ - (- من الفقر الذي هو فقر النفس، لا قلة المال} (3) .
وقال القاضي عياض: {وقد تكون استعاذته من فقر المال، والمراد الفتنة في عدم احتماله، وقلة الرضا به ... } (4) .
وبعضهم يرى أن حقيقة الرضا: القناعة، أو أن القناعة أول الرضا (5) .
وروي عن أبي سليمان الداراني قوله: {إذا سلا العبد عن الشهوات فهو راض} (6) .
وعلى هذا إنَّما يمنع العبد من الرضا والقناعة طلب نفسه لفضول شهواتها، فإذا لم يحصل سخط، فإذا سلا عن شهوات نفسه، رضي بما قسم الله له من الرزق (7) .
وقال أعرابي في الرضى، والقناعة (8) ، وذم السؤال:
علام سؤال الناس والرزق واسع
وأنت صحيح لم تخنك الأصابع
وللعيش أوكار وفي الأرض مذهب
عريض وباب الرزق في الأرض واسع
فكن طالباً للرزق من رازق الغنى
وخل سؤال الناس فالله صانع (9)
وقال مسلم بن الوليد (10) :
أقول لمأفون البديهة طائر
مع الحرص لم يغنم ولم يتمول
سل الناس إني سائل الله وحده
وصائن عرضي عن فلان وعن فل (11)
وقال بعض العلماء نظماً:
تقنع بِمَا يكفيك واستعمل الرضا