أمَّا ضعيف الرضا بالقضاء، الذي لايقوى على احتمال المصائب، ولايصبر على أدنى شيء منها، فهذا لضعف إيمانه، ورخاوة نفسه، وانزعاجها العظيم للشيء الحقير، فما أن يصاب بالتافه من الأمر حتى تراه حرج الصدر، فتقض مضجعه، وتؤرق جفنه، وهي - وأكبر منها - لو وقعت لمن هو أقوى منه إيماناً ورضاً بالقضاء لم يلق لها بالاً، ولم تحرك منه نفساً، ولنام ملء جفونه رضيَّ البال، قرير العين.

فالذي يجزع لأتفه الأسباب، قد يصل إلى الجنون، أو الوسوسة، أو تعاطي المسكرات، على اختلاف مستوياتها، أو قتل النفس، أو الانتحار.

وما أكثر هذه الأمور في المجتمعات التي لاترضى بقضاء الله - تعالى -.

فالذي لايرضى بما يصيبه من المصائب: يدب إلى روعه القنوط، ويظن أنها قاصمة الظهر، ونازلة النوازل، ويرمي نفسه في وحل اليأس، وسجن الظلم.

أمَّا المؤمن بالقضاء والقدر، الصابر على المصيبة، وعن المعصية، فلاتراه إلاَّ متفائلاً في جميع أحواله، منتظراً الفرج من الله، مؤقناً بأن النصر مع الصبر وأن مع العسر يسراً، وأن العاقبة للتقوى، وأن قضاء الله نافذ لا محالة، فلايأس، ولا قنوط، ولا كسل، ولا هوان، ولا تهاون، تسمو به الحال، فيصل إلى منزل الرضا، فيرضى عن الله، ويرضى الله عنه.

سبب اختيار الموضوع:

ولقد كان السلف الصالح - من عهد النبوة وعبر القرون الفاضلة - على هذا الاعتقاد، وهذا المستوى في الرضا بالقضاء، بيد أنه ظهر بعد ذلك خلل في هذا، من قبل غلاة المتصوفة، الذين أهملوا الوحي، وحكموا العاطفة، وتسابقوا في ترك الأسباب، والغلو في ذلك، حتى قال بعضهم: {الرضا: ألا نسأل الله الجَنَّة، ولانستعيذه من النَّار} (1) ، وقال الآخر:

أصبحت منفعلاً لما يختاره مني ففعلي كله طاعات (2)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015