فيقال له: ما دليلك على هذا الكلام؟! وكل من روى هذه الواقعة فهم منها إنكار ابن مسعود للذكر الجماعي، ومثله إنكار خباب بن الأرت على ولده، وهل كان هناك شذوذ عند هؤلاء المذكورين غير اجتماعهم على الذكر الجماعي؟ إذ لا يمكن أن يقال إن شذوذهم كان بسبب أنهم يذكرون الله كثيراً.
ومن هنا يتبين لك ضعف استدلال المجيزين للذكر الجماعي بالأدلة التي استدلوا بها، وأنها لا تنهض لهم بما أرادوا، وأن الحجة قائمة عليهم بحمد الله تعالى. وكذلك يتبين لك قوة أدلة المانعين من الذكر الجماعي.
المبحث الخامس: حكم الذكر الجماعي
سبق ذكر موقف السلف من الذكر الجماعي، وأنهم يعدونه محدثاً في الدين لم يفعله النبي (ولا الصحابة رضي الله عنهم، ولا من بعدهم. وكذلك الدعاء جماعة، سواء بعد الفريضة أو غيرها فهم يعدونه بدعة، إلا ما ورد به الدليل، وقد تعددت النقول عنهم في ذلك، وقد تقدم ذكر بعضها، ودرج على منوالهم فقهاء الإسلام على اختلاف مذاهبهم، فمن ذلك:
1 - ذكر الإمام علاء الدين الكاساني الحنفي في كتابه (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع) (82) ، عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى: أن رفع الصوت بالتكبير بدعة في الأصل، لأنه ذكر. والسنة في الأذكار المخافتة؛ لقوله تعالى: {ادعوا ربكم تضرعاً وخفية} [الأعراف: 55] . ولقوله (: ((خير الدعاء الخفي)) (83) . ولذا فإنه أقرب إلى التضرع والأدب، وابعد عن الرياء فلا يترك هذا الأصل إلا عند قيام الدليل المخصص. انتهى.