وهذا الزعم جهلٌ على السَّلف، فإنهم كانوا أعظم النَّاس فهماً وتدبُّراً لآيات الكتاب وأحاديث النبي ش، خاصة فيما يتعلق بمعرفة الله تعالى، فكانوا يدرون معاني ما يقرأون ويحملون من العلم، ولكنَّهم لم يكونوا يتكلَّفون الفهم للغيب المحجوب، فلم يكونوا يخوضون في كيفيَّات الصِّفات شأن أهل الكلام والبدع، فإنهم حين خاضوا في ذات الله وصفاته وقعوا في التأويل والتَّعطيل، وإنما ألجأهم إلى ذلك الضيقُ الذي دخل عليهم بسبب التَّشبيه، فأرادوا الفرار منه فوقعوا في التعطيل، ولم يقع تعطيلٌ إلا بتشبيه، ولو أنهم نزَّهوا الله تعالى ابتداءً عن مشابهة الخلق، وأثبتوا الصِّفة مع نفي المماثلة لسَلموا ونجوا ولوافقوا اعتقاد السلف ولبان لهم أن السلف لم يكونوا حملة أسفار لا يدرون ما فيها.

ومن تدبَّر كلام أئمة السَّلف المشاهير في هذا الباب عَلِمَ أنهم كانوا أدقَّ النَّاس نظراً وأنهم أعلم النَّاس في هذا الباب وأن الذين خالفوهم لم يفهموا حقيقة أقوال السلف والأئمة، ولذلك صار أولئك الذين خالفوا مختلفين في الكتاب، مخالفين للكتاب، وقد قال تعالى {وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد} [البقرة 176] .

ومن له اطلاع على أقوال السَّلف المدوَّنة في كتب العقيدة والتفسير والحديث عند الحديث عن نصوص الصِّفات يعلم أن السَّلف تكلموا في معاني الصِّفات وبيَّنوها ولم يسكتوا عنها، وهذه الأقوال هي أكبر شاهدٍ على فهم السَّلف لمعاني الصِّفات وإيمانهم بها والله أعلم (1) .

الفصل الثاني: طوائف المعطلة وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات

المبحث الأول: الفلاسفة وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات وفيه مطلبان:

المطلب الأولى: التعريف بهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015