وكذلك اختلفت عبارات السلف في قوله تعالى: {مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} ، فمنهم من ذكر أنه السجود المعروف، ومنهم من عبر بالصلاة (1) ، ولا تضاد بينهما، ثم اختلفوا في {سِيمَاهُمْ} هل هي في الدنيا أو في الآخرة، والأولى العموم، كما قال الطبري (ت310هـ) : ((وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكرُه أخبرنا أن سيما هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في وجوههم من أثر السجود، ولم يخصّ ذلك على وقت دون وقت، وإذ كان ذلك كذلك، فذلك على كل الأوقات، فكان سيماهم الذي كانوا يعرفون به في الدنيا أثر الإسلام، وذلك خشوعه وهديه وزهده وسمته، وآثار أداء فرائضه وتطوّعه، وفي الآخرة ما أخبر أنهم يعرفون به، وذلك الغرّة في الوجه، والتحجيل في الأيدي والأرجل من أثر الوضوء، وبياض الوجوه من أثرالسجود)) (2) فلم تكن سيماهم حسية فحسب، وليس المراد أنهم يتكلفون إظهار ذلك على وجوههم، ولكنه يحصل من غير تعمّل ولا قصد رياء (3) .
ثاني عشر - سجود الكفار وركوعهم:
لقد انحى الله تعالى ذكره على الكافرين بالله الجاحدين لنعمه بأساليب متعددة في كتابه العظيم، إذ كان من حق الله عليهم الذي خلقهم وما يعملون أن يشكروا له ويسجدوا ويركعوا خشية وخضوعا، لقد استجابت سائر المخلوقات حتى ظل الكافر، الكل سجد تسبيحا لله واعترافا بفضله، فلماذا أبى الكافرون؟ إنه الاستنكاف والاستكبار عن الحق، أسوة بإبليس اللعين.
والقرآن الكريم يبين موقف الكافرين في ذلك في سبعة مواضع من السور المكية (4) ، وكلها بلفظ السجود إلا موضعا واحدا عبر فيه بالركوع، وقد تناولت تلكم الآيات جميع أحوالهم، فكما صورت عنادهم في الدنيا كشفت الحجاب عن عاقبتهم في الآخرة وهو يحاولون السجود فلا يستطيعون.
ويمكن أن تنتظم المواضع السبعة في مجموعتين، إحداهما فيما كان معدودا في سجدات التلاوة، والأخرى ماليس منها، وتفصيل ذلك فيما يلي: