قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} (الفرقان/64) : المبيت: إدراك الليل (1) ، ومعنى {يَبِيتُونَ} في الآية: يصلون (2) ، والسجود والقيام على ظاهرهما (3) ، ((يراوحون بين سجود في صلاتهم وقيام)) (4) ، وفي ذكرهما دون سائر أفعال الصلاة تنويه بهما، وتقديم {سُجَّدًا} وإن كان فعله بعد القيام لفضل السجود، ولأجل فواصل آي السورة (5) ، والآية من الاحتباك، فذِكُر السجود دليل على الركوع، والقيام دليل على القعود، أي سجدا وركعا وقياما وقعودا (6) .

قال الفراء (ت207هـ) : ((جاء في التفسير أن من قرأ شيئا من القرآن في صلاة وإن قلّت فقد بات ساجدا وقائما، وذكر أنهما الركعتان بعد المغرب وبعد العشاء ركعتان)) (7) ، ومنهم من أدخل فريضة العشاء، وقيل الشفع والوتر (8) ، والأَولى أنه وصف لعباد الرحمن بإحياء الليل أو أكثره (9) .

قوله تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} (السجدة/15) :

اختلف في المراد بالسجود في هذه الآية، فذهب الجمهور إلى أن المعنى خروا سجدا لله على وجوههم (10) ، والخرور هو السقوط والهوي إلى الأرض كما سبق (11) ، وهذا السجود يتناول سجود التلاوة وسجود الصلاة فليس هو مختصا بسجود التلاوة، كما قرّره ابن تيمية (12) (ت728هـ) رحمه الله، لأن قوله تعالى في الآية {بِآيَاتِنَا} ليس يعني بها آيات السجود فقط بل جميع القرآن.

وقد أجمع العلماء على السجود في هذه الآية، تأسيا بمن أثنى الله عليهم في هذه الآية، خلافا لما يصنع الكفرة من الإعراض عند التذكير (13) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015