قوله تعالى: {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} (النساء/102) قال ابن عطية ت541هـ) ((الضمير في {سَجَدُوا} للطائفة المصلية، والمعنى فإذا سجدوا معك الركعة الأولى فلينصرفوا، هذا على بعض الهيئات المروية، وقيل المعنى: فإذا سجدوا ركعة القضاء)) (1) ، فعلى المعنى الأول يكون المراد بالسجود ظاهره، وهو السجود الشرعي (2) ، وذلك أن هذه الطائفة إذا فرغت من سجدتي ركعتها التي صلت مع النبي (مضت إلى موقف أصحابها بإزاء العدو، وعليها بقية صلاتها (3) ، وعلى المعنى الثاني يكون المراد بالسجود الصلاة، ((تأويله فإذا صلوا ففرغوا من صلاتهم فليكونوا من ورائكم) (4) ، وهذا المعنى هو الراجح وعليه جمهور العلماء، وهو اختيار الطبري (ت310هـ) ، وبه أخذ مالك (ت179هـ) والشافعي (ت204هـ) وأحمد (5) (ت241هـ) وكون المراد بالسجود في الآية هو الصلاة لأنه أشد موافقة لسياق الآية، إذ يقول الله تعالى بعده: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} ، فدلّ ذلك على أن الطائفة الأخرى لم تشرع في الصلاة إلا بعد صلاة الطائفة الأولى ومفهومه أن الطائفة الأولى قد صلت جميع صلاتها (6) ، كما في صلاة الرسول (في غزوة ذات الرِّقاع ((أن طائفة صفّت معه وطائفة وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائما، وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفُّوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم)) (7) ، قال مالك (ت179هـ) : ((وذلك أحسن ما سمعت في صلاة الخوف)) (8) .

وهذه الهيئة أحوط للصلاة، فإن كل طائفة تأتي بصلاتها متوالية (9) ، وهي أبلغ في حراسة العدو (10) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015