والمقصود بالسجود في الآية الصلاة دون خلاف، إلا أن منهم من خصصها بصلاة المغرب والعشاء، والأولى العموم، إذ لم يرد خبر يجب التسليم به، ولا سيما أن هذه الآيات مكية، والظاهر أنها قبل فرض الصلوات الخمس كما سبق في الآية الماضية (1) .
واقتران التسبيح بالصلاة في هذه الآية والآيات التي سبق التعليق عليها فيه دلالة على أنهما مما يعين على الصبر المأمور به.
قوله تعالى: {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (العلق/19) : فسر أكثر أهل العلم السجود في هذه الآية بالأمر بالصلاة، أي صلّ لله (2) ، ويؤيده قوله تعالى قبل هذه الآية: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى} (الآية/9-10) ، وكذلك مارواه البخاري (ت256هـ) في صحيحه قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يصلي عند الكعبة لأطأن عنقه، فبلغ النبي (، فقال: ((لو فعل لأخذته الملائكة)) (3) ، والظاهر أن هذه الصلاة قبل فرض الصلوات الخمس، لأنها من أوائل ما نزل من المكي، وكان الإسراء وفرض الصلوات الخمس قبل الهجرة بعام، حيث كانت الصلاة المفروضة قبل الإسراء ثنتان: قبل طلوع الشمس في وقت الفجر، وقبل الغروب في وقت العصر (4) .
وهذا القول هو الأظهر، وهذا يتفق مع معاني الآيات الآخرى الواردة في هذا الباب في حق الرسول (، حيث اتضح الراجح فيما سبق من الآيات من معاني السجود هو الصلاة. والله أعلم.
ومن العلماء من حمل السجود هنا على ظاهره (5) ، وهو السجود الشرعي، وهذا القول قريب من سابقه، لأن السجود جزء من الصلاة، وهذه الآية معدودة في سجدات التلاوة عند جماعة من أهل العلم (6) ، وذلك مرجح لهذا المعنى.
وقيل: بل المراد من السجود هنا الخضوع (7) ، وهو قول بعيد، لا يساعده أثر ولا نظر.
ب - ما جاء في سجود أمة محمد (:
قال الله تعالى: {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} (النساء/102) .