القول الثالث: أن المراد بقوله تعالى: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} النوافل بعد المفروضات، قاله ابن زيد (1) ، وقواه ابن جرير (ت310هـ) بقوله رحمه الله: ((لأن الله جل ثناؤه لم يخصص بذلك صلاة دون صلاة بل عمّ أدبار الصلوات كلها فقال: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} (2) .

القول الرابع: حمل الآية على ظاهرها، وهو ماذكره الجصاص في أحكامه: ((إذا وضعت جبهتك على الأرض أن تسبح ثلاثا)) (3) ، واعتباره قولا رابعا في جانب الأقوال السابقة فيه تجوّز إذ لم أعثر عليه في مصدر آخر، بل نصّ الآية يقتضي أن يكون عقب السجود، وليس في السجود نفسه.

ورجح بعض المحققين القول الأول (4) ، وهو الذي رواه البخاري (ت256هـ) عن ابن عباس رضي الله عنه (ت68هـ) رضي الله عنهما، وهو الموائم لوقت نزول السورة لأن صلاة المغرب لم تفرض بعد، فحَمْلُ التسبيح باللسان على عموم أدبار الصلوات هو الأولى، أما القول الثاني، وهو تخصيص ذلك بصلاة المغرب فقد تعقبّه الطبري (ت310هـ) بقوله رحمه الله: ((ولم تقم - بأنه معنيّ به دبر صلاة دون صلاة - حجة يجب التسليم لها من خبر ولا عقل)) (5) ، وأما القول الثالث فيمكن أن يُتعقب بأن بعض المفروضات لا نافلة بعدها. والله أعلم.

قوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنْ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} (الإنسان/24-26) : قوله تعالى: {بُكْرَةً وَأَصِيلًا} : ((أي أول النهار وآخره)) (6) ، والمقصود استغراق جميع وقت النهار، وقيل: {بُكْرَةً} : صلاة الصبح، {وَأَصِيلًا} : صلاة الظهر والعصر (7) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015