أجمع أهل التأويل على أن التسبيح في قوله تعالى: {وَسَبِّحْ} معناه: صلّ (1) ، وقد سبق أن هذه السورة مكية، قال ابن كثير (ت774هـ) : ((وكانت الصلاة المفروضة قبل الإسراء ثنتان: قبل طلوع الشمس في وقت الفجر، وقبل الغروب في وقت العصر وقيام الليل كان واجبا على النبي (وعلى أمته حولا ثم نسخ في حق الأمة وجوبُه، ثم بعد ذلك نسخ الله ذلك كله ليلة الإسراء بخمس صلوات)) (2) ، وفي الصحيحين: أن النبي (نظر إلى القمر ليلة أربع عشرة، فقال: ((إنكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون (3) في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تُغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا، ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} (4) .
وقوله تعالى: {وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} : أي فصلّ له، ويجوز أن يكون ذلك صلاة الليل في أي وقت صلى، ومن العلماء من خصها بصلاة المغرب والعشاء، ومنهم من قصرها على العشاء (5) ، والأولى العموم، وهو قول مجاهد (ت104هـ) ، واختيار ابن جرير الطبري (ت310هـ) ، لأنه لم يَحدّ وقتا من الليل دون الوقت (6) ، وهو المناسب لوقت نزول السورة.
أما التسبيح أدبار السجود، فمن العلماء من أجرى التسبيح فيه على الصلاة، ومنهم من أبقاه على ظاهر معناه من أذكار التسبيح (7) ، وبذلك يتضح معنى السجود في هذه الآية، وتنتظم أقوال العلماء فيها في أربعة أقوال، وهي:
القول الأول: مارواه البخاري (ت256هـ) في صحيحه عن ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما أنه قال: ((أمره أن يسبح في أدبار الصلوات كلها يعني قوله: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} )) (8) .