والأصح ما ذهب إليه ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنه، وتابعه عليه جماهير المفسرين، وهو السجود على الوجوه وذلك أن الآية اشتملت على الخرور والسجود، والآية التالية – وهو قوله تعالى: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ} – اشتملت على الخرور والبكاء، فأفادت الآية الأولى أن أول ما يَلقى الأرض من الذي يَخر قبل أن يصوِّب جبهتَه ذقنُه، ففيها تصوير لحال سجودهم، وفيها أن الخرور عبادة مقصودة يحبها الله، وقد يكون خرور بدون سجود، كما هو الحال في الآية التالية، فقد يبكي الخاشع مع خرور دون أن يصل إلى حدّ السجود، وهذه عبادة مقصودة أيضا، غير أن مجموع الآيتين أفاد الخرور للأذقان، والسجود على الوجوه والبكاء مع الخشوع، كما في قوله تعالى: {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} (1) (مريم/58) ، وآية الإسراء من مواضع سجود التلاوة المتفق عليها (2) .

وقيل: إن المقصود بالسجود في قوله تعالى: {وَهُمْ يَسْجُدُونَ} ، {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} هو مجرد الخضوع والخشوع وهو قول ساقط لا يعوّل عليه (3) .

وفيما ذكره الله من سجود مؤمِني أهل الكتاب معان بلاغية، منها:

الجملة الاسمية في قوله تعالى: {وَهُمْ يَسْجُدُونَ} تدل على الاستمرار، والضمير في {وَهُمْ} يدل على التوكيد، واختيار صيغة المضارع للدلالة على التجدد، وعطفت بالواو في {وَهُمْ} على ما قبلها من التلاوة لتشعر بأن تلك التلاوة كانت في صلاة (4)

التعبير باللام بدل ((على)) في قوله تعالى: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} ، وهذه اللام تعرف بلام الاختصاص، وهي تدل على تمام السجود وتمكّن الوجوه من الأرض من قوة الرغبة في السجود لما فيه من استحضار الخضوع لله سبحانه (5) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015