ومنهم من حمله على الركوع، وهو تفسير ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما (1) ، وتفسير الصحابي مقدم على غيره (2) ، ثم إن تفسير {سُجَّدًا} ب ركعا هو الأظهر، وإنما عبر بالسجود ولم يعبر بالركوع، لأن السجود أدخل في الخضوع وأبلغ من الركوع، فلو عبر بالركوع لتوهم أن المراد الهيئة فقط دون الخشوع والخضوع لله، ولهذا عبر بعض العلماء في تفسيره ب ((ركعا خضعا)) (3) ، والقول بأنه المقصود في الآية الركوع هو بمعنى الانحناء، ولهذا قال الطبري (ت310هـ) : ((وأصل السجود: الانحناء لمن سجد له معظما بذلك، فكل منحن لشيء تعظيما فهو ساجد… فذلك تأويل ابن عباس قوله: {سُجَّدًا} : ركعا لأن الراكع منحن)) (4) ، وقال الزمخشري (ت538هـ) معبراً عن هذا القول: ((السجود أن ينحنوا ويتطامنوا داخلين ليكون دخولهم بخشوع وإخبات)) (5) . أما عدّ الانحناء دون خضوع قولا مستقلا فليس بشئ (6) .
ثامنا- ذكر ركوع نبي الله داود عليه السلام:
قال الله تعالى: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} (ص/24) .
ابتلي داود عليه السلام في حادثة، فأرسل الله إليه ملكين فاختصما إليه في نازلة قد وقع هو في نحوها، ومن ثَمَّ شعر وعلم أنه هو المراد (7) {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} ، أي رجع إلى رضى ربه بالتوبة (8) .
ومعنى {رَاكِعًا} في هذه الآية: السجود على الوجه، هذا هو قول جمهور المفسرين، حتى قال ابن العربي: ولا خلاف بين العلماء أن الركوع هاهنا هو السجود لأنه أخوه)) (9) ، والصواب أن الخلاف موجود كما سيأتي، وإن كان المعنى الراجح أنه هو السجود، ووجوه الترجيح مايلي: