القول الأول: أنه السجود الشرعي، هو الوقوع على الأرض بقصد العبادة، واعتبروا من لم يسجد من أهل السموات والأرض كالكفار من العام المخصوص، واستدلوا بقوله تعالى: {وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} (الحج/18) على القول بأن بعض الناس غير داخل في هذا السجود (1) .
القول الثاني: أن المقصود المعنى اللغوي، وهو الخضوع والخشوع (2) .
وهذان القولان معتبران عند علماء التفسير، غير أن القول الأول يتعذر فيه السجود الشرعي في بعض الأصناف، وأما القول الثاني فيتعارض مع القاعدة الأصولية التي تنص على أن اللفظ إذا دار بين الحقيقة الشرعية واللغوية حمل على الشرعية، ولاشك أن الحقيقة الشرعية متحققة في بعض المخلوقات كالمؤمنين، ولولا إرادة ذلك لما أثبته لبعض الناس ونفاه عن بعضهم الآخر في قوله تعالى: {وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ} (الحج/18) (3) .
القول الثالث: أن السجود كل شئ مما يختص به حسب حاله، وهذا هو الراجح (4) ، وعليه فيكون السجود فيما سبق من الأصناف على النحو التالي:
الملائكة: سجودهم عبادة حقيقية، ويكون طوعا بلا خلاف (5) كما قال الرسول (: ((إني أرى مالا ترون وأسمع مالا تسمعون، أطَّت السماء (6) ، وحُقّ لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله …)) (7) .
المؤمنون: سجودهم شرعي طوعا، وقيل إن الكره يكون في سجود عصاة المسلمين وأهل الكسل منهم، وهذا القول أجنبي عن المقصود بقوله تعالى: {طَوْعًا وَكَرْهًا} (8) . (الرعد/15) .
الكفار: لهم السجودان: أما الشرعي فيكون كرها، ويصدق على المنافقين منهم، كما قال تعالى: {وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} (9) (التوبة/54) .