مجله المقتبس (صفحة 943)

النأقل ممن اعتقد فيهم سعة العقل وصحة القياس. فأعجب الناس بما كتب وتحدثوا به وربما زاد بعضهم فقال: أن عمر المرحوم كان أكثر مما ذكر وأن الجريدة أخطأت في تقدير عمره ولعل سنه لا تقل عن مئة وخمسين وأولاده وأحفاده أكثر مما ذكر وأن الجريدة أخطأت في تقدير سنه لا تقل عن مئة وخمسين وأولاده وأحفاده أكثر من ذلك بمئين.

ولما انتشرت الصحيفة في البلاد تنأقلت الخبر عنها بعض المجلات العلمية وأكثر الجرائد السيارة في البلاد العثمانية وربما لم تغفل زميلاتها في مصر أيضاً عن نقل هذا النبأ الغريب فدهشت من هول ما رأيت ونبهني أحد العقلاء إلى هذا التسرع في الحكم على عمر الميت وأولاده فلم يستغني إلا أن أخذت في تحقيق فتبين أن الرجل لم يتجاوز المئة وأن أبناؤه وأبناء أبناؤه هم دون الخمسين بيقين. ون ظل بعض أحباب المبالغة يقولون أن الرجل مسن جداً وقد حارب في جيش إبرأهيمباشا المصري ولكن لم يسعهم أن يكثروا في عداد أولاده لأن الإغراق في عددهم يكذبه العيان وأما عمر والدهم فليس فيه مستند تاريخي صحيح يعول عليه ما دام الشرقي يأخذ تاريخ رجاله وأكثر ساسته في الأكثر من أفواه الشيوخ والعجائز. وبعد مدة ظهر لي أن المتوفى ومن صحته ونشاطه وقالت أن عمره مئة وخمس وعشرون سنة. فكان مل جرى من المبالغة في تقدير عمر الرجل وأولاده وأحفاده أشبه بما تأتيه الجرائد الصفراء في أميركا من الغلو في تجسيم الأخبار لإلفات الأنظار.

وأحسن تعليل للمبالغة ما ذكره ابن خلدون بقوله: وقد نجد الكافة من أهل العصر إذا أفاضوا في الحديث عن عساكر الدول التي لعهدهم أو قريباً منه. وتفاوضوا في الأخبار عن الجيوش المسلمين والنصارى أو أخذوا في إحصاء أموال الجبايات وخراج السلطان ونفقات المترفين وبضائع الأغنياء والموسرين توغلوا وطاعوا وساوس الأغراب فإذا استكشف أصحاب الدواوين عن عساكرهم واستنبطت أحوال أهل الثروة في بضائعهم وفوائدهم واستجليت عوائد المترفين في نفقاتهم لم تجد معشار ما يعدونه وما ذلك إلا لولوع النفس بالغرائب وسهولة التجاوز على اللسان والغفلة على المتعقب والمنتقد حتى لا يحاسب نفسه على خطأ ولا عمد ولا يطالبها في الخبر بتوسط ولا عدالة ولا يرجعها إلى بحث وتفتيش فيرسل عنانه ويسيم في مراتع الكذب لسانه ويتخذ آيات الله هزواً ويشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله وحسبك بها صفقة خاسرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015