كتب إليه يلتمس معاقدة الإخاء والاجتماع على المودة والصفاء فأخر جوابه فكتب إليه كتاباً آخر يسترثيه فكتب إليه عبد الله: أن الإخاء رق فكرهت أن أملكك رقي قبل أن أعرف كهنك. وكان يقول ذلل نفسك بالصبر على الجار السوء والعشير السوء والجليس السوء فأن ذلك من لا يكاد يخطئك. وكان يقول إذا نزل بك أمر مهم فإنظر فإن كان مما له حيلة فلا تعجز وإن كان مما لا حيلة فيه فلا تجزع وقال لبعض الكتاب: إياك والتبغ لوحشي الكلام طمعاً في نيل البلاغة فأن ذلك هو العي الأكبر. وقال لآخر عليك بما سهل من الألفاظ مع التجنب لألفاظ السفلة. وقيل له ما البلاغة فقال التي إذا سمعها الجاهل ظن أنه يحسن مثلها. ومن كلام الجاحظ: ينبغي للكاتب أن يكون رقيق حواشي الكلام عذب ينأبيعه إذا حاور سدد سهم الصواب إلى غرض المعنى. وقال لا تكلم العامة بكلام الخاصة ولا الخاصة بكلام العامة.
وروى من أخبار المعمرين أن عبد المسيح بن بقيلة الغساني ذكر الكلبي وأبو مخنف وغيرهما أنه عاش ثلاثمائة سنة وخمسين سنة وأدرك الإسلام ولم يسلم وكان نصرانياً وروي أن خالد بن الوليد لما نزل على الحيرة وتحصن منه أهلها أرسل أبعثوا إلي رجلاً من عقلائكم وذوي أنسابكم فبعثوا إليه بعبد المسيح بن بقيلة فأقبل يمشي حتى دنا من خالد فقال: أنعم صباحاً أيها الملك قال: قد أغنانا الله عن تحيتك فمن أين أقصي أثرك أيها الشيخ قال: من ظهر أبي. قال: من أين خرجت قال: من بطن أمي. قال: فعلام أنت قال: على على الأرض قال: ففيم أنت قال: في ثيأبي. قال: أتعقل لا عقلت. قال: أي والله وأقيد. قال: ابن كم أنت. قال: ابن رجل واحد. قال خالد: مل رأيت كاليوم قط أني أسأله عن الشيء وينحو في غيره. قال: ما أجبتك إلا عما سألت فأسأل عما بذلك. قال: أعرب أنتم أم نبط قال: عرب استنبطنا ونبط استعربنا. قال: فحرب أنتم أم سلم. قال: بل سلم. قال: فما هذي الحصون. قال: بنيناها للسفينة نحذر منه حتى يجيء الحليم فينهاه. قال: كم آتي لك. قال: خمسون وثلاثمائة سنة. قال: فما أدركت سفن البحر في السماوة في هذا الجرف ورأيت المرأة تخرج من الحيرة وتضع مكتلها على رأسها لا تزود إلا رغيفاً حتى تأتي الشام ثم قد أصبحت خراباً يباباً وذلك دأب الله في العباد والبلاد قال: ومعه سم ساعة يقلبه في كفه. فقال له خالد: ما هذا في كفك. قال: هذا السم. قال: ما تصنع به. قال أن كان عندك ما