الأمم الشرقية في العصور المتقدمة توزع الغنائم على الأمراء والشجعان والرهبان وتأسر السكان وتزرع أراضيهم على أكتافهم. ولما ارتقت حكومات اليونان القديمة والدول الشرقية أذهن يوسعن نطاق بلادهن ويقوين سطوتهن فبنين بتلك الأموال وأولئك الأسرى المباني العظيمة والآثار الفخيمة التي لا تزال تدهش المتأخرين وظل هذا الناموس معمولاً بع وقاعدة من قواعد حقوق الدول المعتبرة في ذلك الحين إلى أن بزغت شمس الإسلام فتبين بطلان هذا القانون الواهي وجعل القائمون بدعوة الدين يكتفون بفتح البلاد وضرب الخراج على الأراضي والجزية على الرقاب ويتركون السكان أحراراً يتصرفون في أملاكهم كما يشاؤون كتاب الخراج ص 14 و20 وجاء فيه بالحرف قال عمر رضي الله عنه فأقر ما أفاء الله عليك في أيدي أهله واجعل الجزية عليهم بقدر طاقتهم تقسمها بين المسلمين ويكونون عمار الأرض فهم أعمل بها وأقوى عليها ولا سبيل لك عليهم ولا للمسلمين معك (ص: 82)
وغدت الدول الإسلامية وحكومات الرومان على ذاك العهد تصرف الأموال في توطيد دعائم الأمن والعدل وتسهيل سبل النجاح على أن الملوك والأمراء في الأجيال المتوسطة أخذوا يحصرون الأموال والأراضي بأنفسهم فصاروا يديرون الممالك بذاتهم وكانت أموالهم يومئذ عبارة عن دخل الرهبان بعد موتهم ريثما يعين غيرهم يضاف إلى ذلك دفائن الذهب والفضة المكتشفة وأموال من لا وارث يرثهم أو من قتلوا جزاء أعمالهم القبيحة وما يحصل من الحراج والمعادن وضرائب المسكرات والصيد وانتقال الأراضي بين الوارثين وعشور البيع والشراء والجزاء النقدي وغير ذلك فيتضح من ذلك أن الأموال المذكورة هي أساس الضرائب الجارية في البلاد المتمدنة الآن.
ولما اخترع البارود واستبدلت المحرقات الفاتكات بالجارحات واتحدت الأمم والشعوب جعلت الدول تتيه عجباً بعظمتها فأخذت يثير بعضها على بعض ويشن الغارات أعواماً مديدة حتى صارت الحكومة تنوء بأعباء الديون واضطرت إلى تحصين القلاع وتقوية الحدود واستخدام الجيوش المنظمة في زمن السلم دون الحرب وأنشأت تسعى في تزييد أموال الملة ليزداد دخلها وتسعى في رفاهيتها وسعادتها وتحسي أخلاقا وتهيئ الأسباب الكافية لهذا الغرض فاقتضى لذلك مبالغ طائلة.