الانتحار قل النفس. ولا يعمد المرء إليه حتى تضيق به الدنيا أو تضيق به نفسه. ولا يبعث الإنسان على الانتحار باعث أشد من ضياع أمل له كان يعلل به قلبه أو نعمة زالت كان يمرح في نعيمها أو مال فقده على غير رغبة منه أو أسر وقع فيه وهو لا يرجو منه فكاكاً أو ذنب جناه ولا يرى له من الجزاء عليه خلاصاً أو غرام كوى فؤاده وهو لا يرجو أن يطفئ ناره بماء الوصال.
وهناك باعث أشد من تلك البواعث وأعني به سوء التربية ونقص التهذيب. فإن النفس الساذجة كالسيف البتار الذي أغفلته الصياقل أو كالحجر الكريم ولا يبدو بهاؤها حتى يزيل صدأه العامل الحاذق فيبهر الأبصار بنوره. والتهذيب يصقل النفوس ويظهر الفضيلة الكامنة.
وإنك ترى أخا الجهل إذا ثارت برأسه سورة الغضب ولم يكن الانتقام طوع بنانه أو أحب حباً أخذ برشده وغشى على بصيرته ولم ينل إربه أو فقد مالاً قليلاً تعب في الحصول عله يضيق به عقله ويقتل نفسه بيده.
الحكماء والانتحار
وأبعد الناس عن قتل النفس أهل الحكمة والعلم فإنهم يرون الانتحار جبناً وضعفاً في العزيمة ووهناً في الهمة. وهم إذا لم يبلغوا مناهم عادوا فأملوا وإذا زالت نعمة كانوا يرفلون في حللها قنعوا بآثارها وأن فقدوا مالاً فالمال أدنى ما يتطلبون وإن نالهم أسر علموا بان
لكل شيءٍ مدة وتنقضي ... ما غلب الأيام إلا من رضي
وهم أشد الناس إحجاماً عن الذنوب فأنى لهم أن يجرموا فيحتويهم القنوط؟ أريد بأهل الحكمة أولئك الذين نالوا من العلم منالاً كبيراً فأسفرت لهم الحقيقة وعلموا بخلود النفس.
الفلاسفة الماديون والانتحار
ومن المفكرين فريق لا يقول بالنفس والخلود ويرون إن الموت نهاية كل حي. وهذا الفريق يؤثر الموت على الحياة والفناء على البقاء ويرى أن الحياة شر وتعذب وفي الموت كل الراحة والهناء. ومن أنصار هذا الفريق فريق الماديين وهم يقولون بأن النفس بدعة لا