مجله المقتبس (صفحة 85)

حتى نبغ بينهم أهل آداب أمثال منال وضيا وناجي والأبياري والفاروقي والأسير والأحدب واليازجي وكرامة والجندي والهلالي ومراش والشدياق والبربير وأمثالهم ممن بيضوا الصحف بما سودوه في القرطاس من رائع آدابهم وفيض قرائحهم وخفة أرواحهم.

وقر زعماء الأدب في الصدور بما نفثوه من صدرهم أكثر من العلماء والمفننين بما خدموا به العلم والمدنية من نتاج عقولهم المستنيرة وما ذاك والله أعلم إلا لأن الأدباء يكتبون للعامة والخاصة معاً أما العلماء فيكتبون للخاصة فقط. وشأنهم في هذا شأن أهل العلم والاختراع مع أرباب الأموال في الغرب لعهدنا فإن الأول يتعبون في الإبداع فلا يتمتعون بغير جزء طفيف من أعمالهم الشاقة الطويلة ويجيء أرباب المال فيجنون الثمرة غضة يانعة.

قال بلونشلي الألماني في كتابه السياسة ما تعريبه: للآداب في أفكار الطبقة المنورة تأثير أعظم من تأثير العلم إذ أن لجمال الشكل والصورة وقعاً كبيراً في النفس أكثر من العلوم التي هي في الغالب قضايا غثة باردة وأن كتب شكسبير وولتير سكوت معروفة أكثر من كتب باكون ونيوتن وأن التمدن الفرنسي ينسب إلى راسين ومولير أو فولتير أكثر منه إلى بوفون ولابلاس ودوبين. وإن كيتي وشيلر قد نورا وحمسا طبقات أكبر من التي نورها كانت والإخوان هومبولد وليسنغ قد أثرا بروايتهما في ناتان أكثر من روايات لاوكون.

قال لي أحد ساسة الألمان يوم زار الإمبراطور غليوم الثاني بلاد الشام أندري لم أحب مليكنا السلطان صلاح الدين يوسف حتى قصد دمشق لزيارة ضريحه وفاخر بأنه بات في مدينة عاش فيها من كان أعظم أبطال العصور السالفة قلت لا علم لي بذلك قال لأنه قرأ في صباه رواية وأظنه قال لشاعرنا شيلر تضمنت سيرة صلاح الدين ووقائعه فأشرب قلبه حبه وراح ما لقنه في العاشرة يبرز أثراً من آثاره وهو في الأربعين.

قلت وهذا ملك عظيم في الحديث أثر فيه شاعر أمته أحسن تأثير على أنه الأدب يلطف الشعور ويحسن العواطف ولقد كان جد هذا الإمبراطور فريدريك الكبير لما عزم على إنهاض أمته من كبوتها يوعز إلى الشعراء بواسطة بعض وزرائه أن ينظموا قصائد حماسة ترقق الإحساس وتكبر النفوس وتدعوها إلى المعالي فكانت هذه القصائد سبباً في إنهاض ألمانيا ووحدتها على ما قيل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015