فأنت ترى من هذا أنه لم يوجد نوع واحد من الموحدين بل أصناف مختلفة. ومثله يقول المسعودي في مروج الذهب فقد ذكر ثم ما هذا نصه: كانت العرب في جاهليتها فرقاً. منهم: الموحد المقر بخالقه المصدق بالبعث والنشور موقناً بأن الله يثيب المطيع ويعاقب العاصي. اهـ. وقال أيضاً: وكان من العرب من أقر بالخالق وأثبت حدوث العالم بالبعث والإعادة وأنكر الرسل وعكف على عبادة الأصنام. اه. ومثل هذا الكلام كثير في كتب العرب الأقدمين والمحدثين.
ثالثاً: جوابنا على خلو شعر امرئ القيس من آثار الشرك محتوٍ على جوابينا السابقين فلا حاجة إلى الإعادة.
رابعاً: أما قوله إن الإشارات النصرانية الموجودة في شعره تنطق بلسان حالها عن علاقاته مع النصارى فهاذ لا ننكره لكن بين أن يكون له علاقات مع النصارى وبين أن يكون نصرانياً فرق ظاهر لا يخفى على عاقل أديب مثله. وكذلك القول في من استعمل الاصطلاحات النصرانية في شعره فهذا لا يدل على تنصره. وإلا لزم أن كل من ذكر مثل هذه الألفاظ والاصطلاحات واستعملها في ما كتب ونظم أنه نصراني مثل يزيد بن معاوية وابن المعتز ومدرك بن علي الشيباني وغيرهم من لغويين ومؤرخين وإخباريين وغيرهم وغيرهم. وهو قول فاسد لا يحتاج إلى إظهار ما فيه من الوهن.
خامساً: أما استدلاله بانتشار النصرانية في كندة قبيلة امرئ القيس فهو قول باطل لأن النصرانية كانت أقل انتشاراً في كندة من سائر الأديان فيها. ولو فرضنا أنها كانت منتشرةً فيها فلا ينتج من ذلك أن كل أفراد القبيلة كانت تدين بها. فهذا تميم مثلاً ففيها كان نصارى (الكامل 1: 26) وياقوت 1: 598 وكان فيهم المجوس ومنهم زرارة بن عدس التميمي وابنه حاجب والأقرع بن حابس وأبو الأسود جد وكيع بن حسان وكان فيهم صابئة عبدوا الدبران. ومنهم ثنوية. وآخرون عبدة أصنام وكانت تلبيتهم عند صنمهم: لبيك اللهم لبيك. لبيك لبيك عن تميم قد تراها، قد أخلقت أثوابها، وأثواب من وراءها، وأخلصت لربها دعاءها. (عن اليعقوبي 1: 296) ومنهم من اتبع سجاح المتنبئة. وفريق وافق مسيلمة الكذاب وهم بنو عطارد بن عوف بن كعب بطن من تميم. فهل يصح دائماً في الاستدلال والاستنتاج أن ننتقل من الجزئي إلى الكلي؟ هل يجوز لنا أن نقول إن بني تميم كانوا كلهم