جواب مقدمته والآن نجيب على جواب أدلته فنقول:
أولاً: إننا إن سلمنا أن امرأ القيس لم يكن وثنياً فلا نسلم أبداً أنه لم يكن مزدكياً لأن براهين الأب في نقض أدلة براهين خصمه في منتهى الضعف والوهن. كيف لم يكن مزدكياً وقد أثبت أغلب المؤرخين وأرسخهم قدماً في تحقيق الأخبار وتحريرها أن جده الحارث كان مزدكياً وكذا كان أبوه حُجْر. ومزدكية أو زندقة والده مما لا تحتمل الشك أو الريب إذ قد قال اليعقوبي وهو من أقدم مؤرخي العرب في كتابه (1: 299) وتزندق (أي تمزدك) حُجْر بن عمرو الكندي.
فإذا كان حضرة الأب يثبت دين رجل لكون أمه أو خالته أو عمته كانت على النصرانية فلماذا لا يريد أن يقبل حجة من يريد أن يثبت دين رجل لاتباعه دين أبيه أو جده؟ فقد أثبت الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي في رسالة ألفها فيما خالف الإسلام ما عليه عرب الجاهلية وورد الشرع بإبطاله وذكر نحو مائة مسألة. منها: تقليد الآباء والأسلاف والإعراض عن الاستدلال وإلى ذلك الإشارة: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا}. قال: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} إلى غير ذلك. اه. فامرؤ القيس على هذا هو على مذهب آبائه إن لم يقم دليل صريح على خلاف ذلك به يقال أنه خالف دين آبائه وانتحل الدين الفلاني مثلاً وهذا لم نعثر عليه في أحد الأسفار.
ثانياً: أما خلو أشعاره من آثار الشرك فيحتمل أنه لم يكن وثنياً لكن لايستنتج منه أنه كان نصرانياً إذ كان في بلاد العرب عدة أديان كلها قائلة بالتوحيد كما سبق القول ولم يكن أصحابها مع ذلك نصارى. قال الشهرستاني: كانت العرب إذا لبت وهللت قالت: لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه ومالكه. وقال قبل ذلك: وصنف منهم أقروا بالخالق وابتداء الخلق ونوع من الإعادة وأنكروا الرسل وعبدوا الأصنام وزعموا أنهم شفعاؤهم عند الله في الآخرة وحجوا إليها ونحروا لها الهدايا وقربوا القرابين وتقربوا إليها بالمناسك والمشاعر وحللوا وحرّموا وهم الدهماء من العرب إلا شرذمة منهم اه. وقال أيضاً: وصنف منهم أقروا بالخالق وابتداء الخلق والإبداع وأنكروا البعث (بعث الأجساد) والإعادة. اهـ.