مجله المقتبس (صفحة 811)

في نصرة هذا المذهب لأنه كان متسلطاً بكثرة على أهل بلاده فقرر كما قال عن نفسه ما أعتقده أنه هو الحق وتصور أنه الصدق. ولقد رد عليه بعض علماء المسلمين وسفهوا رأيه فيما ذهب إليه حتى أن كل محب لاحترام العلم وإكرام صنيع حملته ليرجو أن تكون بعض هذه الأفكار التي أخذها العلماء على الرازي هي التي سجل على نفسه في وصيته بأنه رجع عنها.

وأنت ترى أن اليماني والرازي المشار إليهما قضيا حياةً طيبةً ممتعين بثمار علقهما وغادرا هذه الدار بلا إهانة وفتنة واكتفى معاصروهما ومن بعدهما من العلماء بالرد عليهما في الورق فكانا مثالاً فيمن نفعته التقية وعرف استخدامها. وإذا جئنا نستشهد بمن جنى عليهم عدم استخدام التقية نخرج عن قصد الاختصار. قال الثوري: إذا رأيت العالم كثير الأصدقاء فاعلم أنه مخلّط لأنه إن نطق بالحق أبغضوه.

وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية قد صرح بما اعتقد صحته والغناء فيه فعاداه أعداء التجديد والتحقيق وأشياع التخريف والتلفيق من علماء السوء الرسميين وآذاه من شأنهم مسايرة الحزب الغالب من الأمراء الذين لا مذهب لهم إلا المال ولا دين إلا بسطة الجاه ولا سياسة إلا حكم الناس بما يريدون ولا عقل إلا الاعتصام بالقوة والجبروت.

قضى فساد محيط ابن تيمية والجهل المركب الذي فُطر عليه من جُفّوا في التجني عليه بممالأة من لا رأي لهم أن قضى سجيناً سنين عديدة في جب يوسف بقلعة الجبل بالقاهرة وأعواماً في برج بالإسكندرية وأعواماً في قلعة دمشق إلى آخر ما عومل به من الحبس وكان القصد من هذا كله إيقاف قريحته عن الانبعاث تفادياً من أن يجرف سيلها العرم ما وهى من باطل الاعتقاد ووجد ضعاف العقول وأسرى التقليد آباءهم عليه من الأضاليل والخزعبلات. ولا أقول إن ما لقيه ابن تيمية من الألاقي حبس قلمه عن الكتابة وعلق تأثيره في نفوس مئات من القريبين للخير ولكن من لنا بعشرة عملوا عمله في تاريخ الإسلام رزقوا نفساً كنفسه وعزيمة كعزيمته يستهين بروحه وراحته ويستميت في نصرة الحق وإماتة الباطل من دون ما تقية؟

ولقد شهدنا رجلاً قام في القرن الثاني عشر في وسط جزيرة العرب دعا إلى مثل دعوة ابن تيمية واستنار بعلمه. واهتدى بهديه فعاش سعيداً والنفع به عميماً ألا وهو محمد بن عبد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015