من دارهم وغير ذلك على أمل أن يرجعوا عن غيهم. فولدت الفتاة غلاماً فرح به أبوه ولكنه لم يتسر له أن يراه وصار يتوسط ليرى مهجة فؤاده فلم يحظ بطائل. وعندها رأى أن يهجر أهل زوجته هجراً جميلاً فاغتاظ رفيق لذلك وأقام الدعوى عليه في المحكمة الشعرية فأتى بشهود من أقاربه ليشهدوا أن سعيداً طلق شهيرة فشهدوا بالطلاق وأنه لم يدفع من مهرها المسجل شيئاً وقدره مائة وخمسون ليرة وهنا أدرك سعيد أنه وقع في شرك احتيال رفيق الذي اتفق معه على خمسة آلاف قرش وكتب العقد 150 ليرة ولكنه أقام البراهين والأدلة القاطعة على أنه دفع المهر وأنه لم يسبق منه طلاق وأن الفتاة زوجته في كل وقت وأنه يحبها وأن تعيين هذا القدر من المهر كان من قبيل التظاهر أمام الناس بالسعة ومفاخرة لا حقيقة.
فأدرك القاضي إخلاصه وأيقن بصحة دفع الخمسة آلاف من المهر المسجل وما استطاع إلا أن يحكم ببقية المائة والخمسين ليرة مهراً مؤجلاً لأنه مسجل بالقيود وشهادة الشهود على أنه موقن بعدم صحة هذا المهر المسجل ورتب على سعيد مائة وخمسين قرشاً في كل شهر أجرة الحضانة وتربية ابنه وحكم ببقاء الزوجية.
فعند ذلك يئس سعيد من إمكان الاجتماع بزوجته إلا إذا ماتت حماته ولم يجسر على الطلاق خوفاً من أن يحق عليه أداء بقية المهر لأنه لم يبرح رازحاً تحت أحمال الديون التي تذهب ببركة راتبه كل شهر وأخذ يشكو من آلام الوحدة بعد أن كان يعيش العيشة الزوجية فساقته الضرورة إلى الميل للزواج مرة ثانية فوسط امرأة من اللواتي يتوسطن للنساء سمسارات وأوصاها بأن تفتش له على زوجة غنية لا أم لها ولا أب ولا أخوات.
6
من عجائب الاتفاق أن علي باشا عاد إلى بيروت بمنصب أعلى من منصبه سابقاً فأنشأ سعيد يتردد عليه ويزوره في أغلب الأحايين.
علمت جميلة بما حل بسعيد فأسفت عليه وشمتت به لأنه خان عهدها على أنها لا تزال مقيمة على العهد ويئست من الزواج وعزفت نفسها عن الرجال وحكمت عليهم بأنهم أقل وفاءً من النساء ولكنها ودت الاجتماع به لتعاتبه وتشكو إليه وتشكو منه لأنها لم تطلع أحداً على سرها وأخذت تسعى وراء مقصدها حتى تيسر لها أن تخلو به في منزل أبيها فرحبت