درست طباع الناس في الشرق والغرب ... وميّزت ما بين العريزيّ والكسبي
وخضت غمار الوهم في كل مطلبٍ ... وجبت فلاة الحق في شوطها الصعب
وعاينت من أهل الفنون عجائباً ... غرائب تدعو للتعجب والعجب
فلم أر مثل ابن القوافي فقد حرى ... عجائب أضاد يحار بها قلبي
يطوف بلاد الله وهو بأرضه ... ويفتتح الدنيا وحيداً بلا حرب
وينفر حتى لو أتاه حبيبه ... لأعرض عن هذا الحبيب بلا ذنب
ويؤنس حتى تلتقي الطير حوله ... وتلفظ منه ما أعد من الحب
ويهدي إلى سبل الرشاد وأنه ... ليحسبه أهل العقول بلا لب
ويتخذ الناس الأرائك مقعداً ... وما راقه إلا بساط من العشب
ويسمو إلى شهب النجوم محلقاً ... إليها بحراج التصور والجذب
ويوشك لا كفر أن يرقى إلى السما ... ويطمع حتى بالمثول لدى الرب
ويجمع ما بين النقيضين قلبه ... كما يتلاقى الهدب في النوم بالهدب
فيجعل نجم الأرض مع أنجم العلى ... ويجعل نجم الأفق مع أنجم الترب
ويسكر حتى لا يفيق بلا طلى ... ويصحب أهل الأرض وهو بلا صحب
ويقنعك البيت الوحيد سكنته ... ويبني ألوفاً لا يقول بها حسبي
يرى في ظلام الليل والشمس غرّبت ... ويعمى وما مالت إلى جهة الغرب
وإن أعوزته الراح في خلواته ... ترشفها بالوهم من وجنة الحب
ويا طالما صاغ الدراري فزينت ... عروس أمانيه بعقدٍ من الشهب
يحن بلا قلب ويشفى بلا عنا ... ويبكي بلا ثكل ويهوى بلا قلب
فكذب بلا إثم وبأس بلا قوى ... وسكر بلا خمر وشغل بلا كسب
فمن كان يزري بانقريض فإننا ... رضينا من الدنيا بتعذيبه العذب
ومن كان يستحلي من الشعر كذبه ... فهذه حياة الشاعرين بلا كذب
بيروت - طانيوس عبده