العظيمة المؤلفة من ولايات مختلفة تختلف إدارة مدارسها باختلاف ولاياتها فلكل منها تنسيق وترتيب يخالف تنسيق المدارس في ولاية أخرى ولكنا بقطع النظر عن الأمور ألفرعية نجد أن المدارس كلها في هذه الإمبراطورية ترجع إلى غرض واحد وتتبع غاية فذة ولا ينتظر من مملكة مؤلفة من ولايات مختلفة تساوت من حيث العلم والمدنية واتحدت أفكارها الحيوية والقومية غير هذه النتيجة.
إن درجات المدارس في ألمانيا لا تختلف عن درجاتها عندنا إلا اختلافاً طفيفاً. المدارس الابتدائية فالإعدادية فالعالية ومتى جاز التلميذ هذه الثلاث سلاسل الكبيرة (وهو عندنا في درجة التخرج من المدارس السلطانية) فإما أن يبرز إلى ميدان الحياة تواً وإما (إن كان قصده دوام التحصيل) أن يقصد إلى مدارس الأخصّاء حيث يجد أمام المدارس العليا للأمور التطبيقية وشعبات دور ألفن المختلفة مفتحة الأبواب.
دققت كثيراً في مجتازي هذه السلاسل المدرسية الثلاث وبحثت عن السبب الأولي في ألفائدة العظيمة المتأتية عن هذه المدارس فتبين لي أن السبب في ذلك لا كتب التدريس ولا الأساتذة ولا التلاميذ وإنما هو أصول التدريس وإن المدروسين آنفاً من حيث المكانة هم في الدرجة الثانية.
وبعد أن بحث في كتب التدريس الألمانية المكملة المنقحة الخالية من الحشو والأطناب والمتبعة كلها في سلسلة التدريس غاية واحدة قال: أن أول ما يلفت النظر في هذه المدارس هو الارتباط والمحبة بين التلامذة والمعلمين أول ما يتبادر إلى الذهن عندنا من لفظة المعلم أنه (يأتي ساعة كذا ويذهب ساعة كذا ويأخذ أجرة كذا)
أما عند الألمان فالمعلم مع تلميذه كالأب مع ابنه والمعلم عندهم لا يعرف اسم التلميذ فقط بل يعرف مزاياه ونقائصه وخاصيات مزاجه وقابلية ذكائه ويعرف أيضاً النقط المحتاجة إلى الإصلاح والتمريض إلى الإصلاح والتمريض في التلميذ فيوجه نحوها عنايته ويبذل وسعه في تقويمها.
فالتلميذ عندهم بين يدي المعلم أشبه بالمريض تمضي عليه مدة طويلة تحت مراقبة الطبيب وتدقيقه وإليك أصول التدريس عندنا: بعد أن يصعد المعلم منصة التدريس يشير إلى أحد التلامذة بالقيام فيقول مثلاً مخاطباً التلميذ برقمه 166 دور سلطنة السلطان سليم الأول فإما