مجله المقتبس (صفحة 6152)

فبلغ ما لم يبلغه الناشئون فيه منذ طفولتهم وقد أحسن من العلم فنوناً كثيرة حتى عد من فلاسفة وأطبائه ومناطقه.

فلما سمع به عمر بن العاص قربه إليه واحترامه وأكرمه لعلمه وفضله وجعل له المكانة الرفيعة ووقعت بينهما محبة عظيمة اشتهر أمرها وظهر حالها حتى قال بعض المؤرخين: أن المحبة التي نشأت واستحكمت بينهما ترينا مبلغ ما يسمونه النقل العربي من الأفكار الحرة والرأي العالي ولا يبعد أن يكون عمرو بن العاص قد أمر بترجمة بعض الكتب لان من كانت هذه سيرته من الميل للعلماء وشغفه باكتساب العلم لا بد أن تطمح نفسه لنقل بعض العلوم كالفلسفة والمنطق والطب المفقودة من اللسان العربي ومما تقدم تسقط دعوى من ينسب إحراق مكتبة الإسكندرية لعمرو بن العاص بأمر من عمر بن الخطاب رضي الله عنهما لأنه قول بعيد عن الحقيقة ولو صح أن عمر أمر بحرق تلك المكتبة لكان عمرو بن العاص أبان له وجه خطئه بادله ناهضة ويكفي أن يورد له بعض الأحاديث الصحيحة التي تأمر المسلم باتخاذ الحكمة من اغي وعاء كان وان الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها أينما وجدها وان القرى حث على طلب العلم حثاً بليغاً ولم يقيده بعلم معين فقال: هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون. على أن من يعرف قيمة الشيء ويقدره حق قدره لا يعقل أن يجازف به لا سيما وعمرو يعد تلك المكتبة من النفس خيرات واجلبا قيمة بدليل احترامه وإكرامه ليوحنا النحوي وما أسهل على عمر إقناع ابن الخطاب بترك هذا الأمر المشين بسيرته الطاهرة لما جبل عليه ابن العاص من السياسة والدهاء والمهارة في إقامة الحجة هذا اذ1 فرضنا صدوره من الخليفة الثاني. ولا يظن أن عمرو بن العاص لأمر سياسي قد قرب إليه يوحنا فإن هذا كان بعيداً عن ضوضاء السياسة منعزلاً عن قومه لا يعرف إلا المطالعة والبحث والتأليف.

قال سيديو المؤرخ الشهير: لا يصح أن تنسب حريق مكتبة الإسكندرية إلى عمر بن الخطاب المشهور له بوفور العقل الدى جميع الأمم ولذا لم يذكرها احد من المؤرخين المعاصرين له فلو فرض صدور أمره بإحراقها لما كان إلا لمقدار قليل فإن معظمها احرق في عهد الملك توديوس آه.

ولما انتقلت الخلافة إلى بني العباس ورسخت قدمهم شرعوا بتشييد نهضة علمية فكنت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015