مجله المقتبس (صفحة 6141)

ذلك فوائد مادية مهمة. والسياسة الخارجية في التسلح عند امة عظمى أن تستأثر هي قبل كل شيء بطلبية أسلحة والمحور الذي تدور عليه السياسة أن تقوم امة بتقديم بنادق ومدافع ومدرعات وان تصرف أموال القروض في بلاد معينة وقد أصبح الجهاد حروب نفوذ ودسائس والسفراء الذين لم ينظروا إلى ذلك نظر يقظة وانتباه يسقطون من مناصبهم فألمانيا سلمت العثمانية بل سلحت المستعمرات والممالك الصغرى الفقيرة وسعى رجال السياسة إلى حمل أميركا الشمالية والجنوبية واستراليا على التسلح واضطروا كندا - ومستقبلها مناط بإعفائها بحارة كان في وسعها أن تستغني عن إعالتهم قرناً آخر. وكذلك فعلت استراليا وقد حاولت برازيل والأرجنتين والشيلي وسائر جمهوريات أميركا اللاتينية أن تعيش بسلام ولكن شياطين الأنس من التجار ووكلاء معامل الأسلحة أقنعوهن باستصناع مدرعات ضخمة وحملوا برازيل والأرجنتين على الاستغناء على المدرعات القديمة لبيعها من العثمانية واليونانية وستصبح الأستانة دار صناعة كبرى بل مرفأ حربياً جديراً بتاريخها وتضطر أساطيل اليونان ايطاليا إلى أن تزيد أسطولها وتجري على مثال ذلك الممالك الكبرى في أوربا وأمريكا وهكذا تبلغ السفراء تبليغاتهم السرية إلى حكوماتهم مبالغهن بقوى غير دولهم ودولتهم تبلغها للصحف التي توقد جذوة الفتن كلما خمدت بحيث صحت نبوءة الأميركان في قولهم: أن الحرب المستقبلة ستعلنها الصحافة.

وعندئذ يكون اليونان والعثمانيون والصرب والبلغاريون والجبليون والالبانيون مدججين بالأسلحة ولهم من المدافع والدردنوتات التي لا نعرف كيف نستخدمها فيعودون يقتتلون من جديد ويقودون وراءهم حكومات أوربا الذين يكونون مثلهم فدية الصحافة والوطنية في الحقيقة وطنية مال وكسب أو سياسة التسليح.

قلت في خطاب لي في مجلس الشيوخ أن فرنسا أنفقت منذ ثلاث وأربعين سنة زهاء مئة مليار فرنك أي زهاء ملياري فرنك كل سنة على تسليحها ولم تنتج لها فائدة من هذه النفقة الكبرى. هذا معدل السلام المسلح في مملكة واحدة فضع ولا تخف عدة مئات من المليارات صرفت في خلال نصف قرن في مجموع البلاد. تمثل لذهنك عظمة هذه القناطير المقنطرة من الذهب الذي صرفته أوربا فيما لو صرفت نصفه على المدنية أما كانت أوربا بل افريقية واسيا تهذب كلها وتحيا بمواصلاتها ومعارفها وأمنها ولعمري كيف كانت هذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015