مجله المقتبس (صفحة 6045)

في اشعر العربي فاستعمل لغة الشعراء حتى لقد يخيل إلى القرئ أنه يقرأ شعراً لا نثراً. وفي الحقيقة فإن واصف بك ولد شاعراً فغرامه بالشعر العربي سيد الشعر كما يقول هو غرام فطري فعبر عنه بلغة هي لغة الآلهة كما يقول القدماء فكر كثيراً في الشكل الذي يصوغ فيه معنيه فأدهش من قرأها من الفرنسويين حتى أن كتابه ولو أنه حديث في آداب القوام فقد عنيت الجرائد الكبرى كلها بإنقاذه وتقريظه ثم دعي بعد فألقى محاضرات في الشعر العربي بأجمل ما قيل في اللغة الفرنسوية.

بين في مقدمة بليغة كيف أن الشعر كان شريفاً عند العرب فجعلوه ديوان علومهم وأخبارهم وتواريخهم وحكمهم وحياتهم اليومية كما فعل المصريون على جدران معابدهم وكيف كان ملكة مستحكمة فيهم حتى أنهم كانوا ينطقون به ارتجالاً فكانوا كلهم شعراء ثم سرد لذلك أسباباً عدة: منها شعور العربي وشدة تأثره وانفعالاته النفسانية واتساع مدى خياله. ومنها استيعابه اللغة العربية وما فيها من المترادفات العديدة فكان رؤساء العرب متنافسين في الشعر فرئيس القبيلة كان ناشدها وحامي ذمارها ينشد انتصاراتها ويهجوا أعداءها.

ثن بين مصادر الشعر وقسمها ستة أقسام أصلية وهي الغزل والحماسة والمدح والذم والوصف والحكم ثم بين كيف كان الشاعر ب \ يقصد المدح والافتخار بقومه ولم يكن ينتظر أجراً على ذلك. ولكن بعد الفتح الإسلامي جاء خلف لم يكن اللسان لسانهم وتعلموا الشعر صناعة ثم مدحوا أمراء العجم بأشعارهم طالبين أجراً فصار الغرض من الشعر الاستجداء فترفع أهل المراتب عنه وأصبح تعاطيه مذمة وكذلك الهجو فكان الشاعر يبيع أشعاره كالسلع لمن غالى في شرائها.

كل ذلك صاغه المحتفل به بلغة فصيحة شعرية فعند ما تكلم مثلاً على الغزل أمام السيدات الشريفات في الليسيوم الذي ترأسه الدوقة دوسين انظروا كيف وصف الحسناء العربية منتقياً ألفاظ الجمال من كتب العرب فترجمها بألفاظ شعرية من اللغة الفرنسوية حتى أني بعد ما قرأت هذا الوصف سألت نفسي هل هذه الحسناء لم تكن تمثالاً من المرمر صوره خيال الكاتب أو هل لم يصف أحد هذه التماثيل المعروضة في متحف اللوكسمبرج والتي لابد أن يكون قد وقع نظره عليها قبل إلقاء محاضراته.

ثم انظروا كيف وصف الحب عند العرب. قال إنه كان طاهراً نقياً بعيداً عن كل بهيمية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015