الأصلي فيهما إلى كثر النساء اللواتي وقعن في أسر المسلمين في حروبهم وهناك أشعار اشتملت على أمور سياسية وعلى مطاعن يعزى السبب فيها طبعاً إلى انشقاق المسلمين إلى أحزاب وإلى ما قام من الخلاف بين أسرة معاوية وأسرة الأمام علي. على أنه يمكن القول بوجه الإيجاز أن هذا العصر كان زاهراً بالشعر وقد نبع فيه جماعة من فطاحل الشعراء وأعظمهم كالأخطل وجرير والفرزدق.
وبلغ الشعر أعلى ذروة في عهد العباسيين فإن النجاح الذي صادفه العرب والتقدم الذي بلغوه والمدينة التي أصابوها كل ذلك كان له أثر كبير في الروح الشعرية. ثم إن معيشة الخلفاء وترفهم والخمور والحب الخ. حول الشعر من حال إلى حال فرق حتى صار نسمة من نسمات الروح وتهذيب ألفاظه وحلت مبانيه وخفت روحه. هذا فضلاً عن تقدم العلوم وانتشار المدينة والفلسفة وبلوغ حرية الفكر والقول إلى درجة كبرى وسعت دائرة العقل وشحذت القرائح ورفعها إلى الابتكار فوصلت تخيلات الشعراء إلى درجة من السمو لم تصل إليها في من الأزمان.
ويمتاز الشعر في العصر العباسي من جهة شكله بمتانة الوزن والقافية مع السهولة والمرونة بحيث أصبح أسهل تناولاً وأطوع للشاعر وبروح جديدة كشرت قيود القوالب القديمة التي تقدي بها الفكر العربي في سالف الأزمان. وامتاز من جهة موضوعية بقوة التصور والمناقشات العلمية والخيالية والتأملات الفلسفية التي تضمنها. وبعد أن كانت الأشعار في الماضي كفة القلوب فقط أصبحت تتضمن الحكمة والآراء العلمية والأبحاث المنطقية. فكان الأطباء يضعون كتباً في الطب شعراً. والفلاسفة يقيدون شوارد أفكارهم وخواطرهم شعراً فيما يتعلق بمنشأ الكون والقضاء والقدر وحرية الاختيار وخلود النفس إلى غير ذلك من الأبحاث العويصة. ولا يزعمن زاعم أن ذلك كان عمل ناظم يرص الكلمات رصاً دون أن يكون في كلامه أثر من آثار الشاعرية الصحيحة بل إن ذلك ما فعله جماعة من فحول الشعراء أمثال المتنبي وأبي العلاء المعري وابن هاني وغيرهم وأسعارهم في هذا الباب تنفذ إلى القلوب فهي من أحسن الشعر وأرقه وأكثره تأثيراً في النفوس.
أما ما آلت إليه حالة الشعر العربي بعد سقوط بغداد فإني أضرب صفحاً عنها مكتفياً بالكلمة