يعيشون من السطو والغزو وقطع الطرقات وشن الغارة على القوافل أما محاصيل الأرض فكانت ضعيفة لا تكفي لسد حاجاتهم. فكان شعرهم - وهو مرآة أخلاقهم - بسطاً سلسلاً سهلاً عليه أدلة الصدق مع مسحة من الخشونة وهل كان لشعرهم سبيل إلى أن يكون غير ذلك؟ وكانوا يقرون بالخاطر يجول في مخيلتهم ويتجلى لهم المنظر أمام عيونهم يدعو إلى السرور أو الأسى فيرسلونه شعراً للتعبير عما في نفوسهم دون إغراق ولا موارية. فتجد فيه العبارات العنيفة الوحشية للتغني بالقتل والقتال وسفك دماء الأعداء وتجد فيه العبارات اللينة التي تسيل رقة للتعبير عن غرام خالج الفؤاد ولعب بالقلب وأذل تلك النفس العاتية. ليس في عباراتهم تكلف بل هي تسيل كالماء الذي يجري من عين صافية دون جهد ولا عناء بل كأن الشعر جاء عفواً دون أن تستكد الشاعر ذهنه. لا يقيد شاعرهم بموضوع ولا يشعر ولا بقافية ولا يحاول أن يأتي ف أبياته بأنواع التشبيه والمجاز ولا بالغريب في الألفاظ ولا يسعى في تزيين القول ليكون صورة ما في نفسه وما تكنه جوارحه. فإذا لا قى ما يدخل السرور إلى قلبه هتف هتاف الفرح وإذا عرض له ما يدعو إلى الأسى أنَّ وناح. أو إذا أراد الفخر عبر عن أعماله وأعمال قومه بغاية البساطة والسهولة لا فرق في ذلك بينه وهو في هذه الحالة الفطرية وبين الطير الذي من الرياء والتصنع فهو كالطبيعة بل هو كالجمال.
أما في أيام الأمويين فإن اللغة بعثت كما كانت ولكن الشعر لم يعد هذه العذراء الطاهرة التي لم يقربها رياء بل إن الشعراء الذين نزلوا إلى مصاف المملقين والمتزلفين شوهوا محاسنها ومزقوا ثوب عفافها. فبينما كان الأقدمون يقولون مع حسان:
وإن أحسن بيت أنت قائله ... بيت يقال إذا أنشدته صدقا
أصبح المتأخرون يزعمون أن أحسن الشعرا كذبه. أضف إلى ذلك أن فتوحات الإسلام امتدت فدخل تحت حكم العرب كثير من الأمم الغريبة عنهم التي تخلفت مشاربها عن مشاربهم وإن هذه الأمم المغلوبة دانت بدين الفاتحين وتعلمت لغتهم فيم يعد الشعراء من العرب دون سواهم بل كان بينهم المصري والسوري والفارس والأندلسي ولكل منهم نزعة خاصة قسم عليها شعره ويظهر أثرها في قوله. والصفة الغالبة في شعر ذلك العصر أن معظمه كان شعراً غرامياً الغرض منه الغزل والتشبه مع خلاعة ومجون يرجع السبب