مجله المقتبس (صفحة 5960)

هذا ما قاله الغزالي ونقله في السماع وفوائده والمحرم منه في الإسلام ما كان مانعاً عن العمل والعبادة محركاً للشهوات البهيمية كما أن آلات الطرب يكون حكمها حكم السماع والتلحين وفي هذه المسألة مرادات واختلافات بين العلماء في القديم والحديث ولكن العقلاء منهم اختاروا التوسط والتوسط محمود في كل حال فإنهم لم يقبلوا أن يخرجوا بالناس عن الطبع والطبيعة لأنهم إذا منعوا ما هو ضروري من ضرورات الحياة لا يعود الناس يبالون ويسيرون بلا وازع وعلى كل فإن الاعتدال هو غاية الغايات حتى في العبادة.

نحن في عصر أصبح فيه الغناء من الفنون ذات القواعد والروابط والأصول ولذلك ترى المنشدين والمغنين والموسيقيين يختارون من الألحان ما يناسب الظرف الذي هم فيه وتراعى به حالة المستمعين وقد ادعى بعضهم أن من النغمات ما يطيب في النوم ولا يطيب في آخر وبعض الألحان قد يكون لها من التأثير ما لا يكون لغيرها ولا شك أن للحالة النفسية التي يكون عليها المغني والمغنى له دخلاً في الطرب فقد وقع لنا أن طربنا مرات بشباب الراعي في الجبال أكثر من سماع الناي والقيثارة وإن راقنا الغناء الطبيعي أكثر من المصنع الموقع على الألحان وكثيراً ما يسمع المرء أمهر الموسيقاريين بين المنشدين فلا يرتاح كما يرتاح لسماع بدوي في البادية يحدو ويتغنى كأن النفس لا تميل إلى الطبيعي من الأشياء الخالي من الطلاء الصنعي.

قال أبو المنذر هشام بن الكلبي: الغناء على ثلاثة أوجه النصب والسناد والهزج فأما النصب فغناء الركبان والقينات وأما السناد فالثقيل الترجيع الكثير النغمات وأما الهزج فالخفيف كله وهو الذي يثير القلوب ويهيج الحليم وإنما كان أصل الغناء ومعدنه في أمهات القرى من بلاد العرب ظاهراً فأشياء وهي المدينة والطائف وخيبر ووادي القرى ودومة الجندل واليمامة وهذه القرى مجامع أسواق العرب وكانت العرب تسمى القينة الكرنية والعود الكران والزهر أيضاً هو العود وهو البريط وكان أول من غنى في الإسلام الغناء الرقيق طويس وهو علم اين سريج والدلال ونؤمة الضحى. وقالوا غناء كل مغن مخلوق من قلب رجل واحد وغناء ابن سريج مخلوق من قلوب الناس جميعاً وكانوا يقولون الغناء على ثلاثة أضرب فضرب منه مطرب محرك ويستخف وضرب ثان له شجى ورقة وضرب ثالث حكمة وإتقان صنعه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015