الكتاب قال: يا نضر إن أمير المؤمنين قد أمر لك بخمسين ألف درهم فما كان السبب فأخبرته ولم اكذب فقال: لحنت أمير المؤمنين قلت: كلا إنما لحن هشيم وكان فتبع أمير المؤمنين لفظه وقد تتبع ألفاظ الفقهاء ورواة الآثار ثم أمر لي الفضل من خاصته بثلاثين ألف درهم فأخذت ثمانين ألف درهم بحرف استفيد مني.
قال أبو بريد الوضاحي: أمر أمير المؤمنين المأمون الفراء أن يؤلف ما يجمع به أصول النحو وما سمع من العرب فأمر أن تفرد له حجرة من حجر الدار ووكل بها جواري وخدماً للقيام بما يحتاج إليه حتى لا يتعلق قلبه ولا تتشوف نفسه إلى شيء حتى أنهم كانوا يؤذنونه بأوقات الصلوات وصير له الوراقين وألزمه الأمناء والمنفقين فكان الوراقون يكتبون حتى صنف الحدود وأمر المأمون بكتبه في الخزائن فبعد أن فرغ من ذلك خرج إلى الناس وابتدأ يملي كتاب المعاني وكان وراقيه سلمة وأبو نصر قال: فأردنا أن نعد الناس الذين اجتمعوا لإملاء كتاب المعاني فلم تضبط فلما فرغ من إملاءه خزنه الوراقون عن الناس ليكتسبوا به وقالوا: لا تخرجه إلى احد إلا لمن أراد أن ننسخه له على أن كل خمس أوراق بدرهم فشكا الناس إلى الفراء فجعا الوراقين فقال لهم في ذلك: فقالوا: نحن إنما صحبناك لننتفع بك وكلما صنعته فليس بالناس إليه حاجة ما بهم إلى هذا الكتاب فدعنا نعيش به فقال: قاربوهم تنفعوا وتنتفعوا فأبوا عليه فقال: سأريكم وقال للناس: إني أريد أن أملي كتاب معانٍ أتم شرحاً وابسط قولاً من الذي أمليت فجلس يملي وأملى في الحمد مائة ورقة فجاء الوراقون إليه فقالوا نحن نبلغ الناس ما يحبون فنفسخ كل عشر أوراق بدرهم.
ومثل ذلك في اقتراح الملوك على العلماء تأليف يؤلفونها ما وقع لابن الصفار الأندلسي لما أراد الحكم المستنصر غزو الروم سنة 352 فتقدم إليه وكان مشهوراً بالعلم والأدب بالكون في صحبته فاعتذر بضعف في جسمه فقال المستنصر لأحمد بن نصر قل له: إن ضمن لي أن يؤلف في أشعار خلفائنا بالمشرق وبالأندلس مثل كتاب الصولي في أشعار خلفاء بني العباس أعفته من الغزاة فخرج احمد بن نصر إليه بذلك فقال: افعل ذلك يا أمير المؤمنين إن شاء الله قال فقال المستنصر: إن شاء أن يكون تأليفه في منزله فذلك إليه وإن شاء أن يكون في دار الملك المطلة على النهر فذلك له قال: فسأل أن يكون ذلك في دار الملك وقال: أنا رجل مورود في منزلي وانفرادي في دار الملك لهذه الخدمة اقطع لكل شغل