حاله حتى توفي. وذكر يوسف الفاسي الإسرائيلي الحكيم بحلب قال: سمعت أن ابن الهيثم يقول كان ينسخ في مدة سنة ثلاثة كتب في ضمن اشتغاله وهي إقليدس والمتوسطات والمجسطي ويستكملها في مدة السنة فذا شرع في نسخها جاءه من يعطيه فيها مائة وخمسين ديناراً مصرياً وصار ذلك كالرسم الذي لا يحتاج فيه إلى مواكسة ولا معاودة قول فيجعلها مؤنة لسنته.
ولقد كنت تجد في كل صقع من أصقاع العرب ملوكاً واقيالاً وأمراء ووزراء احيوا دولة العلم والأدب بحسناتهم مثل الوزيرين ابن عباد وابن العميد في بغداد وبني عباد في الأندلس الذين يقول فيهم ابن حزم أن الأيام لم تزل بهم كأعياد وكان لهم من الحنو على الأدب ما لم يقم به بنو حمدان في حلب وكانوا هم ووزرائهم صدوراً في بلاغتي النظم والنثر مشاركين في فنون العلم وآثارهم مذكورة وأخبارهم مشهورة.
نعم تساوت في الرفد للعلماء دولة الشرق العباسية البغدادية ودولة الغرب الأموية الأندلسية. أراد الحكم الربضي ذات يوم في قرطبة أن يقدم شخصا من الفقهاء يختص به للشهادة فاخذ في ذلك مع يحيى بن يحيى وعبد الملك وغيرهما من أعلام العلماء فقالوا له هو أهل ولكنه شديد الفقر ومن يكون في هذه الحالة لا نؤمنه على حقوق المسلمين لا سيما وأنت تريد انتفاعه وظهوره في الدخول في المواريث والوصايا وأشباه ذلك ولما شكا إلى ولده عبد الرحمن قائلاً ألا ترى لهؤلاء الذين نقدمهم وننوه عند الناس بمكانهم حتى إذا كلفناهم ما ليس عليهم فيه شطط بل لا يعيبهم ولا هو مما يزروهم صدونا عنه وأغلقوا أبواب الشفاعة وذكر له ما كان منهم قال لوالده: يا مولاي أنت أولى الناس بالإنصاف أن هؤلاء ما قدمتهم أنت ولا نوهت بهم إنما قدمهم ونوه بهم علمهم أو كنت تأخذ قوماً جهالة فتضعهم مواضعهم قال: فأنصفهم فيما تعبوا فيه من العلم لينالوا به لذة الدنيا وراحة الآخرة قال: صدقت. فلم يجد الخليفة بداً من إعطاء ذاك الفقيه ما يؤهله لتلك المرتبة من الغنى فنبه قدره بان أعطاه من اصطبله مركوباً وكانت هذه أكرومة لإخفاء بعظمها. يفنى الزمان وما بنته مخلد.
ولو جئنا نعدد المؤلفين الذين أهدوا للعظماء تأليفهم فأجزل هؤلاء لهم العطايا لطال بنا نفس الكلام فمنهم محمد بن يوسف الوراق ألف للمستنصر في مسالك افريقية وممالكها ديواناً ضخماً ومنهم الشريف الإدريسي الذي ألف لروجار صاحب صقيلية كتابه في الجغرافية