النواحي وجه إلى أبي غالب هذا أيام غلبته على مرسية وأبو غالب ساكن بها ألف دينار أندلسية على أن يزيد في ترجمة هذا الكتاب مما ألفه تمام بن غالب لأبي الجيش مجاهد فرد الدنانير ولم يفعل وقال: والله لو بذل لي ملا الدنيا ما فعلت ولا استجزت الكذب فاني لم اجمعه له خاصة لكن لكل طالب عامة. قال الحميدي فأعجب لهمة هذا الرئيس وعلوها وأعجب لنفس هذا العالم ونزاهتها. قال المقري إن مجاهد ملك دالية بذل لأبي الغالب اللغوي هذا ألف دينار ومركوباً وكساء على أن يجعل الكتاب باسمه فلم يقبل ذلك أبو الغالب وقال: كتاب الفته لينتفع به الناس واخلد فيه همتي اجعل في صدره اسم غيري واصرف الفخر له لا افعل ذلك فلما بلغ هذا مجاهداً استحسن أنفته وهمته واضعف له العطاء وقال هو في حل من أن يذكرني فيه لا نصده عن غرضه.
وهكذا كنت ترى كثيرا من العلماء يأبون على ضيق ذات بدهم أن يأخذوا شيئاً على تأليفهم كما فعل أبو الريحان البيروني الفيلسوف فانه لما صنف القانون المسعودي أجازه السلطان بحمل فيل من نقده الفضي فرده إلى الخزانة بعذر الاستغناء عنه ورفض العادة في الاستغناء به. أما الشيخ الرئيس ابن سينا الفيلسوف فما كان يستنكف على جلالة قدره العلمي من أن يقدم احد كتبه لأحد أمراء عصره بل انه كان من جملة ندماء علاء الدولة صاحب همدان.
ومن العلماء من كانت تبلغ بهم العفة درجة الغلو فقد حكا بعضهم عن أبي العباس ابن الرومية النباتي الأندلسي انه كان جالساً في دكانه باشبيلية يبيع الحشائش وينسخ فاجتاز الأمير أبو عبد الله بن هود سلطان الأندلس فسلم عليه فرد عليه السلام واشتغل بنسخه ولم يرفع إليه رأسه فبقى واقفاً منتظراً أن يرفع إليه رأسه ساعة طويلة فلما لم يحفل به ساق فرسه ومضى. قاله المقري في نفح الطيب.
ومثل ذلك ما وقع الفيلسوف الرياضي أبو علي ابن الهيثم فانه وزر في البصرة لأول أمره ثم أحب التجرد عن الشواغل التي تمنعه من النظر في العلم قال ابن أبي أصيبعة فاطهر خبالاً في عقله وتغيراً في تصوره وبقي كذلك مدة حتى مكن من تبطيل الخدمة وصرف من النظر الذي كان في يده ثم انه سافر إلى ديار مصر وأقام بالقاهرة في الجامع الأزهر بها وكان يكتب في كل سنة إقليدس والمجسطي ويبيعهما ويقتات من ذلك الثمن ولم تزل هذه