تستقيم لنا مدنية وتكون تعليمها الأمور النافعة بحسب ما تقضي به عاداتنا ومعتقداتنا فينهض المجتمع العربي بإنهاض شان المرأة وبدون ذلك لا أمل لنا بإصلاح بيوتنا.
المدنية لا تشفق
أحببت أن أخدر أفكاري مؤقتا عن النظر في أخبار بلادي فأخذت أطالع بكثرة صحف هذه الديار ولا سيما باريز منها وأعني عناية خاصة بالحوادث الداخلية مما لا يتيسر للصحافي الشرقي كل حين فأتلو كل يوم مرات أخار القتل والانتحار والاعتداء والفجائع والفظائع بتفاصيلها وكلها تدل على استهانة الغربي بالحياة جريا على ما ورد في المثل العربي احرص على الموت توهب لك الحياة.
لا ينكر أن من الحوادث الطارئة هنا ما يسوق إليه اختلال الشعور من الإكثار من الخمور وانحلال العقيدة باليوم الأخر ولكن منها ما يدل على شمم وعزة نفس وتوقع المجد والشهرة. وبينا نجد أن ابن البادية عندنا يقتل عابر سبيل ليذهب ببندقيته أو فرسه أو كيسه أو ثوبه ترى الغربي ينتحر هو وزوجه أو ولده تخلصا من شقاء الحياة أو تفاديا من الوقوع في فضيحة أو لسائق غضب أو غير ذلك من الأسباب ومنها التافه ولكنها كلها تدور على احتقار الغربيين للحياة.
قرأت الآن في البيتي جورنال إن العلماء بدؤوا يتحركون بفقد بعض أجناس من الحيوان كادت تضمحل بسوء تدبير الإنسان وظلمه وقسوته وان المجمع العلمي الباريزي قد حصر جلسته الأخيرة في البحث عن أسباب حماية الفيل والكركدن والحوت والطيور التي تكثر في البلاد الحارة وتصاد بلا شفقة ليتزين نساء الغرب بريشها وإذا لم ينظر في طريقة تحفظ بها أنسال هذه الحيوانات تنقرض بعد بضع سنين لا محال فيكون الناس أشبه حالا بحكاية من قتل الدجاجة اعتقادا منه أن في بطنها بيضة ذهب.
قال صاحب المقالة: منذ عرف العالم مازال الإنسان يظلم ويطمع في القضاء على الحيوانات ويسيء استعمال الأسباب التي جعلتها الفطرة أمامه فلا جل نفع معجل بل وربما كان لجلب سرور بربري يقتل بدون خشية أنواع من الحيوانات النافعة التي يحدث من فقدها اختلال في ميزانية هذا الوجود هو يقتل الفيل لأن العاج ثمين جدا ويذبح كلب البحر لأن جلده يباع بثمن غال ويصيد الجوارح والطيور لأن ريشها تزدان به رؤوس النساء