شركات الملاحة فأصبح السفر ميسوراً من بيروت إلى نيويورك بعشر ليرات وزاد الصادر وقل الوارد وكلما أمل المؤملون أن تهدأ أحوال البلاد تعقدت مشاكلها الداخلية والخارجية وانتشرت عن البلاد أخبار السوء فتأخر عن العودة إليها أبنائها الذين هجروها.
هذا والحكومة لم تتذرع بأدنى سبب لنزع هذا الخلل في حياة البلاد من أصوله بل أن النوائب الأخيرة التي صادف وقوعها في عهد الدستور لم تزد البلاد إلا فقراً إذا اضطرت الحكومة أن تزيد الضرائب والعثور والرسوم فضعفت الزراعة وأكثر من ثلاثة أرباع هذه الأمة تعيش من أرشها وارتقت أجرة العامل إلى أعلى من منسوبها فأصبح في بعض الأصقاع الزراعية من المتعذر القيام بأعمال الزراعة على ما ينبغي لصاحب ملك ومزرعة لأنه إذا أعطى العامل في اليوم ثلاثة أرباع الريال أو الريال لا يبقى له في أخر السنة ما يوازي نصف إيجار ارضه ولولا أن بعض البلاد التي أعوزتها اليد العاملة مثل القاع استعاضت عنها بما جلبته من الآلات الزراعية الحديثة كالحصادة والدراسة والحراسة والذراية والطحانة لامست زراعتها بائرة وأكثروا من الأدوات الحديثة لتم لهم الغنى وعوضوا ما فاتهم من عمل العاملين والعادة جديبها خصيباً ونالوا من أسباب الثروة حظاً عجيباً.
إذا قدرنا ثروة السوريين في مصر والسودان وأمريكا وكندا واستراليا والترنسفال ومدغشقر والسنغال بمئة مليون جنيه وهو أقل تعديل لأن نصف هذا المبلغ يملكه السوريون في مصر فقط وفرضنا أن نصف المهاجرين أحبوا العودة إلى أصقاعهم يحملون خمسين مليون من النقود وما زكنوه وتعلموه من أساليب الصناعة والزراعة والتجارة تفتح بالطبع موارد اقتصادية جديدة في البلاد إذا صحت قبل كل شيء نية الحكومة على توطيد دعائم الأمن وإحقاق الحق وذلك باختيار طبقة راقية من العمال والضرب على أيدي الجاهلين والمرتشين منهم.
نعم إذا قامت الحكومة بواجبها الإداري تستميل المهاجرين إلى العودة وتحبب إليهم بلادهم التي يؤثرون أن يكون لهم في ربوعها من المغانم نصف ما يتمنون به في ديار الهجر فتقوم سوريا وحدها بعد بضع سنين بسد العجز من ميزانية الدولة العامة مهما كان مقدارها.