أربعة أحوال تعمل في تكثير سواد الأمم: الهجرة والاستيطان والولادات والوفيات وبنقيضها تفتقر البلاد وتقل الأمم. ومحور الهجرة يدور في الأكثر على تحصيل القوات والفرار من ظلم خصوصا أيام كانت المجاعات في القرون الأولى والوسطى من اكبر العوامل المهددة للشعوب وكانت تغذية الجماعات الكبرى مناطة بفصول السنة حتى كان تأخر وصول الحبوب المشحونة في البر والبحر يحدث مخاوف هائلة ويثير مناوشات وثورات. وكانت الفوضى والحروب تجعل المواصلات صعبة أو متعذرة ويهلك سكان المدن جوعاً. وتحتكر المدن الحبوب في أماكن خاصة وتدخرها لحين الحاجة أما سكان القرى والأرياف فكانوا يقاسون الأمرين ولا يجدون غير الهجرة باباً لنجاتهم بأرواحهم وأرواح ذرياتهم وهذا ما دعا إلى إفقار كثير من الأصقاع في الشرق والغرب لأن من ولد من الأسر المهاجرة لم يواز عدد من فقدتهم البلاد بهجرتهم لها.
جاءت أزمان على البشر كان الشرق وآسيا أعمر من الغرب وكانت آسيا تقدم كثيراً من أبنائها ليكونوا جنداً في الجيش الروماني ورومية كانت حاكمة على معظم أصقاع أوروبا وجزء كبير جداً من آسيا وافريقية وسلطانها فوق كل سلطان وما ملوك تلك الأيام إلا أقيال يخضعون لصولجان رومية وقد كنت ترى سوريين من بلاد الشام في كل مكان كما تراهم الآن وكان منهم في جيش جرمانيكوس القائد الروماني عدة كتائب عندما حمل حملته على الرين.
قال سكريتان: إن القرون الوسطى بإقطاعها وما كان فيها من اللصوصية والأخلاق الوحشية وقلة المواصلات والحياة الزراعية والصناعية الأهلية وتنوع اللهجات وحكومة الجماعات والاشمئزاز من الحياة والتشتت السياسي الذي هو من خصائص تلك القرون كل ذلك مما يتمثل لعيني بقلة الرجال وطول إقفار البلاد فأفقر العالم الروماني وظلّ الشعب زمناً على نسق واحد ثم زاد بإنشاء المدن وتوطيد دعائم المركزية السياسية التي تسهلت أسبابها بنمو الموارد الاقتصادية والأيدي العاملة التي أنشأتها. ومن المدن تنبعث أبداً حركة تنظيم القوة العاملة فصاحب الأملاك يعيش بما تدر عليه أملاكه على حين تضطر المدن ان تطلب ذلك من التجارة وأن تضمن حقوقها في البلاد القاسية بتأمين السبل والتجارة.
قال وما المصانع العظمى التي قامت في القرن الثالث عشر للميلاد وما تلك البيع والمعابد