التجارة الشرقية فإن القفار المحيطة بمصر ليست مما يحمي ترعة السويس حماية كافية وكثير من الشعوب منذ عهد كيكاوس (كمبيز) والإسكندر داهموا مصر وفتحوها براً آتين إليها من آسيا فإن جيش نابليون سافر من مصر وداهم سورية وجيش إبراهيم باشا هدد الآستانة مرتين فليس القفر والحالة هذه سداً يحول دون إغارة المغيرين وهجمات الفاتحين.
ولذا كان هم إنكلترا منذ رفعت علمها عَلَى الهند أن لا يكون في الآستانة حكومة تخاف عادياتها وأن تكون أرمينية وسورية وفارس عَلَى سلام وإياها ومن أجل هذا مدت إنكلترا يدها إلينا غير مرة تريد مؤاخاتنا في السياسة ومحالفتنا عَلَى السراء والضراء وكانت تريدنا عَلَى أن نتحضر ونقوى كما حضرت اليابان وقوتهم فضربت عدوتها أمس في الشرق الأقصى ضربة تشيب لها النواصي ولكن قدر الله بأن يبعث عبد الحميد وأعوانه مدة طويلة بالسياسة العثمانية سائرين فيها عَلَى الهوى ثم قامت في عهد الدستور تلك الفئة المتغلبة وقبضت عَلَى أمر الأمة وسارت بنا تيه لا يؤدي إلى خدمة أفكار الجامعة الجرمانية.
تريد روسيا أن يكون لها عَلَى البحر المتوسط لا تدوس للوصول إليه إلا أرضها ولذلك كان لها من وصية بطرس الأكبر كل حين حادث يستحثها والنمسا تطمح أن تخلص إلى سلانيك كذلك عَلَى الخطة التي تتصورها فالآستانة وسلانيك هما بيت القصيد في السياسة الشرقية ونقطة الدائرة في الحقيقة طريق الهند لا تزعج فيه إنكلترا. ولذلك كانت تهتم بالمسألة الشرقية أكثر من جماع الدول والاهتمام عَلَى قدر المعرفة بالواجب ومن يهدد في حياته لا يلام إذا عمد إلى اتخاذ كل سبب يقيها من المصارع وسلامة المملكة العثمانية مما قالت به إنكلترا سنة 1833 واستعملته سلاحاً ضد محمد علي ولوزير فيليب.
قال بينون: إن إنكلترا تقوي الجولة العلية كمن يقوي معقلاً للدفاع فهي التي تدفعها في سبيل الإصلاح واللامركزية للقضاء عَلَى المطالب المزعجة التي تتذرع بها شعوب البلقان وهي تنصح للسلطان أن يمزجها عَلَى التدريج في السلطة الناهضة إلى التجدد المتسامحة في تقاليدها البحرة النيابية وبهذا المؤثر كتب خط كلخانة سنة 1839 وتمت التنظيمات الخيرية سنة 1856 وتطبيق أصول الحكومة الحرة الإنكليزية قد أتى بأحسن النتائج لبلاد الدولة العلية. إن كل ما يتم في بلاد للذين الشأن الأول في تأليف الوطنية فيها بغية التدرج