غير مياد فاحتلت البلاد الواقعة بين نهر السند والبحر المتوسط فاصلة بين الفرعين العظيمين من الأسرة الهندية الأوربية ممن قضت الأقدار عَلَى ما يظهر أن ينضم أحدهما إلى الآخر.
بيد أن تاريخ المسألة الشرقية لعهدنا قد برز في مظهر اقتصادي فهي إحدى صور الجهاد في الحياة الذي قد يقتتل في سبيله شعبان عَلَى ما بينهما من لحمة القرابة ولقد فتحت بفتح ترعة السويس الطريق التجارية العظمى إلى العالم القديم فربط بين 350 مليوناً من الأوربيين و250 مليوناً من الهنود و400 مليون من الصينيين وفيها تحمل من المحيط الهادئ إلى المحيط الأتلانتيكي بحر الظلمات ماراً بالعالم القديم جميع الحاصلات التي نعيش بها كل يوم. ولإنكلترا المقام السامي عَلَى البحر المتوسط والبحر الأحمر والمحيط الهندي وتملك فرنسا الشاطئ الشمالي والشاطئ الجنوبي من البحر المتوسط الغربي ولها وفي الشرق مصالح وتقاليد أعظم منها ولها في الشرق الأقصى مصالح حديثة تزعم الانتفاع منها. ولا ترضى روسيا أن تظل منعزلة في سهول بلاد الشمال بل يقتضي لها مصارف عَلَى بحر حر كالبحر المتوسط والمحيط الهندي والمحيط الباسيفيكي وجميع الأمم الأوربية محتاجة لمكان عَلَى هذه الطريق التجارية العظمى إذ الظاهر أن من يتنحى عنها من الأمم يقضى عليه أن يعدل بأن يكون له شأن في الحركة الاقتصادية الشديدة في الأزمان المقبلة. .
فالشرق الذي بدأ فيه التاريخ عاد فغدا أخص ميدان للتاريخ وتاريخ الجديد إذا جرى التنظير بينه وبين التاريخ الماضي ذو ألوان وأشكال غريبة يحمل في مطاويه عَلَى الجملة فجائع وفظائع لما فيه من تداخل الحوادث التي تتألف منها السياسة الحديثة وربما كانت حياة الشعوب القديمة لم تبد لأنظارنا ساذجة أكثر من حوادث اليوم لأننا لا نعرفها حق المعرفة ولم نعش عيش أهلها اهـ. .
هذا ما قاله دريول في كتابه المسألة الشرقية ترجمته بحرفه وفيه عَلَى إيجازه حقيقة تاريخية راهنة وإن كانت روح التحامل تبدو في معظم ما يكتبه الغربيون عَلَى الشرقيين والعاقل من يأخذ من كل كلام عبرة. مسألة البلقان من أهم فروع المسألة الشرقية إن لم تكن أهمها. ومادتها التي تحيا بها نزوع الشعوب البلقانية إلى الثورة والانتفاض وإثارة إحدى