أو مجموعة كتب أحمد زكي باشا المصري
ليس في بلد الإسلام بلدة كمصر ضاهتها بنهضتها وضارعتها برجالها. ولا أرض كتب لها أن اقتبست من مدنية الغرب القدر الكافي الذي قام منذ نحو قرن بفضل عصابة فاضلة تشبعت بالحضارة الحديثة والحضارة القديمة فأتت من جلائل الأعمال ما أعجب به البعيد والقريب.
واسم أحمد زكي باشا أمين سر الوزارة المصرية (سكرتير مجلس النظارة) وأحد نوابغ مصر في هذا العصر يجب أن يثبت في القائمة الأولى من أسماء أولئك العاملين الأخيار.
ربما تقول بعض الحاسدين (وهل خلا يوم ذو نعمة من حاسد جاحد) ـ: إن عين الحب رمداء، فأنت يا هذا تنوه بأصدقائك كثيراً في حين ينزلهم المصنفون منازلهم، ويزنونهم بمعيار نراك لا تحسن استعماله. فلا تستهويهم المحبة في نقد رجالهم وتقدير أعمالهم وجوابنا لمن يقول هذا ويدعي أن زكي باشا يعرف فقط كيف يظهر لقومه مسائل يحسنها: إن من حفظ حجة عَلَى من يحفظ، ونحن قد نظرنا في أكثر أعماله العلمية منذ زهاء اثنتي عشرة سنة وأطلنا التأمل في كتبه تأليفاً كانت أو ترجمة وفي مقالاته ومحاضراته وحكمنا العقل ونبذنا الهوى ثم انقلبنا ونحن عَلَى مثل اليقين بأن أمثاله قلائل في مصر والشرق، وأنه عامل أمين في خدمة أمته، ولغته جدير أن يقرن في العلم والعمل مع نظرائه من أساتذة الغرب.
أمثال صديقنا هذا وهم لا جرم صفوة أجيال أتت عَلَى مصر وهي تنهض حتى وصلت بفضل حكومتها - لا التي تناهض أبناءها الراشدين بل تأخذ بأيديهم - إلى هذه الدرجة من الرقي ويمتاز عَلَى كثير من الخاصة بمضائه ونشاطه. عرفه بذلك قومه وهو يافع فشاب، وهو اليوم كذلك في سن الكهولة. وقد وصل بجده وعصاميته إلى المناصب العالية، فلم تشغله الزخارف والبهارج عن السير بما أخذ النفس به من التعلم والتعليم منذ وعى ورشد. وأكبر دليل نقدمه عَلَى إثبات دعوانا هذه خزانة كتبه التي جمعت فأوعت من نفائس القدماء والمحدثين والشرقيين والغربيين ولا عجب فاختيار المرء شاهد عقله.
قد عرفناك باختيارك إن كا ... ن دليلاً عَلَى اللبيب اختياره