غدت سر من را في الغناء فيالها ... قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
وأصبح أهلوها شبيهاً بحالها ... لما سجتها من جنوب وشمأل
إذا ما امرؤٌ منهم شكا سوء حاله ... يقولون لا تهلك أسي وتجمل
ويطول بنا المقال إذا أردنا استقصاء أسماء المدن العربية كلها من شواطئ بحر الظلمات في الغرب إلى شواطئ المحيط الهندي في الشرق قال البلخي: ومن يحصي بناة المدن وواضعي القرى ومن يعلم مبادئ إنشائها إلا الله غز وجل وهبنا أخبرنا بمدن فارس عَلَى نحو ما نجد في كتبهم والمدن التي أُحدثت في الإسلام لقرب العهدة وجدة التاريخ فمن لنا بمدن مصر والهند والروم والترك وليس كل مدينة أو قرية مبنية منسوبة إلى بانيها لأنه قد تسمى المدينة باسم الباني أو باسم لها قبل حدوثها أو باسم ماء أو شجر أو شيءٍ ما وقد يجوز أن يجتمع قوم ما بموضع من المواضع فيصير ذلك مدينة فهذا يبين لك أن كل مدينة لا يوجب بانياً لها قاصداً إليها إلى أن قال والكوفة مصرها سعد بن أبي وقاص وكان بها رمل فسميت به ويقال لها الكوفان والبصرة مصرها عتبة بن غزوان وسماها بحجارة بيض كانت في موضعها وواسط بناها الحجاج ويقال لذلك واسط القصب ويقال بل توسعت الكوفة والبصرة وبغداد سميت باسم موضع كان قبلها ويقال لها الزوراء ويقال بغ اسم صنم وسمتها الخلفاء مدينة السلام وأول من بناها جعفر المنصور بنى بها قصر الخلد بناها في الجانب الغربي من دجلة وجعل حواليها قطائع لحشمه ومواليه وأتباعه كقطيعة الربيع والحربية وغيرها ثم عمرت وتزايدت فلما ملكها المهدي جعل معسكره في الجانب الشرقي فسمي عسكر المهدي وتزايدت بالناس والبناء.
قال البلخي: فاعلم أن المدن تبنى عَلَى ثلاثة أشياء عَلَى الماء والكلأ والحطب فإذا فقدت واحدة من هذه الثلاثة لم تبق. قال بعض الجغرافيين: مصرت البصرة عَلَى يد عتبة بن غزوان سنة أربع عشرة وعظم أمرها حتى سميت قبة الإسلام ولها نخيل متصلة من عبداس إلى عبدان نيف وخمسون فرسخاً ثم بني بعد ذلك واسط بناها الحجاج بن يوسف سنة ثمان وسبعين وهي جانبان بينهما جسر عَلَى دجلة طوله ستمائة وثمانون ذراعاً وفي الجانبين جامعان ولما استخلف الله من بني العباس السفاح بنى مدينة قريبة من الكوفة وسماها الهاشمية ثم رحل عنها إلى الأنبار فعمرها وسكنها ولم يزل بها إلى أن مات فلما