ياقوت الحموي
554_626هـ
لا يستقر بأرض أو يسير إلى ... أخرى كشخص قريب عزمه نائي
يوماً بحزوى ويوماً بالعقيق ويو ... ماً بالعزيب ويوماً بالخليصاءِ
وتارة ينتحي نجداً وآونة ... شعب الحزون وحيناً قصر تيماءِ
هذا ما استشهد به ياقوت على تنقله في الرباع والبقاع وما كان تنقله سوى تنقل عاقل يرحل في اقتناص شوارد العلم ولقاء الرجال واستنفاض البلاد فهو أشبه بعالم غربي لهذا العهد يقطع المساوف ويركب البحار ويجوب القفار متنقلاً من قارة إلى قارة يدرس ويشاهد ويعتبر. ولكن شتان بين عالم اليوم وعالم الأمس. فالأول يقله البخار والكهرباء والثاني يركب الخيل والبغال والجمال. الأول يضرب في مناكب الأرض ووراءه دولة تحميه وأمة يعتز بها وجمعيات تنفق عليه وناس. . . . . . عمله قدره والثاني يخذله سلطانه وتسلمه أمته يعيش بكده ويعتمد في كل شأن على إرادته. وغايته من دنياه في عمله الشاق أن يخلص مما تنتج قريحته رأساً برأس غير متوقع خيراً من مستحسن ولا شراً من مستهجن. وبهذا ساغ لنا أن نقول أن السائح العالم في القرون الوسطى أعظم من السائح العالم في القرون الحديثة وأن الناظر في التاريخ ليستعظم أكثر ما يأثره من نور المعرفة للقدماء وقلما يستكثر ما يتم على أيدي طبقات المحدثين فما وفق إليه الجغرافي الفرنسي الشهير اليزه ركلو مثلاً في القرن التاسع عشر من التآليف والإجادة بعد صفاء الزمن وانتظام الحال لا يستعظم كما يستعظم صنيع ياقوت الحموي الجغرافي العربي في القرون الوسطى.
نشأ ياقوت أسيراً ذليلاً أسر من الروم فقيل له الرومي وبيع في بغداد فاشتراه تاجر يعرف بعسكر الحموي وإليه نسب فقيل له ياقوت الحموي ولما صار ملكه جعله في الكتاب ليتعلم ما يستفيد هو منه في ضبط متاجره (تجائره) وكان مولاه أقرب إلى الأمية لا معرفة له بغير الكسب. ويؤخذ مما قاله صاحب وفيات الأعيان أن ياقوتاً قرأ شيئاً من النحو واللغة وشغله مولاه بالأسفار في متاجره فكان يتردد إلى كيش وعمان وتلك النواحي ويعود إلى الشام ثم جرت بينه وبين مولاه نبوة أوجبت عتقه فأبعده عنه وذلك في سنة ست وتسعين