تحدث صاحب الأغاني أن الوليد بن يزيد اصطبح يوم الجمعة فلما نودي للصلاة كره أن يفارق الكأس فبعث إلى الناس في المسجد الجامع بجارية تؤمهم في الصلاة.
ومما أبدع الوليد في الخطابة أنه شرب في يوم الجمعة فلما أردا الصلاة قال لندمائه والله لأخطبن الناس شعراً ثم صعد إلى المنبر فقال
الحمد لله ولي الحمد ... نحمده في يسرنا والجهد
ثم استمر في أرجوزته حتى أتمها.
لذلكم فقدت الخطابة منزلتاه السياسية وعظم شأنها الديني عند المتكلمين فتنبغ فيها واصل بن عطاء وغيره وقد أدخل المتكلمون في الخطابة كلمات خصها العلماء بهم وحظروها عَلَى غيرهم فقالوا أليس وليس يريدون الإثبات والنفي وقالوا لاشى المادة يريدون جعلها لا شيء وقالوا ماهية الحيوان يريدون حقيقته وقالوا كيفية الجسم يريدون شكله وصورته إلى غير ذلكم مما يخطئ في كتابنا حفظهم الله يستعملونه بغير حق وما هم في استعماله إلا ظالمون وقد تحدث الجاحظ رحمه الله أن بعض المتكلمين سمع في مجلس بعض الخلفاء رجلاً يتكلم ويقول أليس وليس فكاد يطير فرحاً ويتقد غيظاً فأما الفرح فلأنه سمع كلمته الاصطلاحية وأما الغيظ لأنه سمعها من غير متكلم أي من غاصب لها معتد عليها ولم يأت عصر المعتصم بن الرشيد حتى اعتمد العلماء عَلَى الكتابة وأخذ ظل الخطابة في الزوال وربما كان آخر الخلفاء الذين خطبوا الناس من بني العباس هو المتوكل بن المعتصم.
نستفيد ذلك من قول البحتري في تهنئته بالعيد. .
ووقفت في برد النبي مذكراً ... بالله تنذر مرة وتبشر
الشعر
أما الشعر فقد رقي في أيام بني العباس حتى كاد يفنى حسناً ولطفاً وقد تصرف في أنواع من القول وتعددت مذاهبه ومناحيه باتساع الحضارة واستفحال العمران وكبر العقول والمدارك وأظنكم تفهمون مقدار الفرق الكبير بين الشعر العباسي وغره من أنواع الشعر العربي إذا سمعتم قول بشار في الشورى
إذا بلغ الرأي المشهورة فاستعن ... بحزم نصيح أو نصيحة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة ... فإن الخوافي قوة للقوادم