وقد وردت في هذه الدار جملة تلامذتها القدماء رئيسة أمينات المال في إحدى المصارف الكبرى ومحامية مشهورة بأنها من نساء السياسة المنظورين إليهن ولولا دخولها في هذا المعهد لما استطاعت تلك الأمينة ولا تلك المحامية أن تتوقيا محيط اجتراح الجرائم الذي قضتا فيه شبيهتهما ولكانت كلتاهما سقطتا في الطبقة السافلة من ساكنات المدن العظمى.
وطريقة هذه الدار مبهمة معقدة للغاية لا تستند إلى تعليم خاص ساذج ولا إلى عمل خاص معين بل هي عبارة عن تغيير عادات الطفل وخلقه بالطرق المنظمة العلمية ويتوخى هذا المعهد في فرقة البنات أن يثير فيهن حاسة الزينة لينبه فيهن الشعور الشريف فيعلمهن أن يكن معجبات بألبستهن وأن يخترن النظافة فيها وأن يقمعن أنفسهن ويكن لائقات أديبات وترعي في ذلك الأذواق الخاصة فتمنى فيهن ويعنى بها.
كل يوم يقرع جرس هذه الدار عند الساعة الخامسة صباحاً تستيقظ البنات في الساعة السادسة يقضى عليهن أن يجتمعن لابسات لباساً نظيفاً ليتناولن طعام الفطور ثم يعمدون إلى سررهن فيرتبنها بأيديهن وفي الساعة السابعة بعد إنشاد أنشودتين لطيفتين يبدأ الدرس العام فينقسمن إذ ذاك إلى قسمين منهن يدرس دروساً نظرية والآخر يتعلم دروساً عملية من مثل الطبخ والغسيل في الحديقة ومعمل النجارة وتتبدل حقل التعليم بعد الظهر وتناول طعام العشاء الساعة الخامسة إلا ربعاً وفي الصيف يتنزهن في الخلاء زفي الشتاء يخصصن ساعات من وقت الدرس والتلميذات تطلق لهن حريتهن من الساعة السابعة إلى الساعة الثامنة فيعملن ما أردن وفي الساعة الثامنة يذهبن للنوم وفي كل قبة من القباب التي تتألف منها أبنية المدرسة يكون خمسون ابنة تحت إدارة امرأة يدعونها بأُمهن وتكون بمساكنهن أشبه بمنازل الأسرات لا بمساكن مدارس وإن تلك المعاهد ما حوت من اللطف والسذاجة الساكنة لتبتعد جداً عن الشبه بالسجون ولا يفارق الأولاد هذه الدار قبل سن الحادية والعشرين إلا البنات بحيث يؤمن عليهن بما يتهيأ لهن من الدرس ولاسيما بما لقن من حسن السيرة والأخرق والنظام أن يجرين في المستقبل عَلَى حياة منظمة وكثيرات منهم بعد تخرجهن في هذه الدار يستخدمن خادمات في بيوت خاصة وكثيرات يستخدمن في محال تجارية ويكن مربيات ومشتغلات بالفنون النفيسة. وشعار هذه الدار أن تنبه في تلميذاتها العواطف الشريفة التي كانت أطفئت جذوتها بالإهمال الذي كان أَليفهن بين ذويهن.